قصة اليوم من القصص التاريخية التى تحكى عن عبرة وهى قصة الصورة والمطرقة والمسمار
أمسك المِطرقة بيمينه، والمِسمار بشِماله، اتجه إلى الجدار يريد أن يدقَّ المسمار حيث أراد أن يُعلِّق صورةً له، إنها صورة جميلة، المصوِّرُ التقط له لقطةً أظهرتْ حسن طَلعته، وروعة طلَّتِه، تعابير وجهة مشرقة، وقسماته نيِّرة، ناهيك عن بِرواز مذهَّب مُزخرفٍ أحاط بالصورة فزادها بهاءً.
وضع المسمار في الموضع المختار، ضرب رأسَ المسمار بالمِطرقة ضرباتٍ، فلم يستطع المسمار أن يلِج في الجدار مِلِّي مترٍ واحدٍ، ضربه ضرباتٍ وضربات، النتيجة هي نفسُها.
زاد الضرباتِ قوةً وسرعةً، المسمار عاجز عن اختراق الحائط، غضب صاحبُنا.
وضع الصورة جانبًا، اتجه مرة أخرى إلى الجدار، ووضع المسمار في النقطة نفسِها، ضربه وضربه وضربه، ولا نتيجةَ إلا أنَّ المسمار الفولاذيَّ بدأ في الانحناء! ضربةٌ أخرى قوية، انحنى المسمار انحناءةً كبيرة؛ بحيث خرِب، ولم يعد صالحًا للدقِّ والطَّرق.
اشتعل رأسُه غضبًا، سبَّ المسامير والجدران والصُّوَر، طبعًا عدا صورته.
نزل إلى الأرض ليحاول إعادة تقويم المسمار مرَّة أخرى، ثم وضعه على الجدار في النُّقطةِ نفسها، ضربتانِ أو ثلاث، المسمار يطير من يده لقوة الضرب، واستسلامه للانحناء، لعنةُ الله على المسامير، صرخ بأعلى صوته.
قيل له: هاتِ مسمارًا آخرَ، وحاوِلْ من جديد! لا، صرخ ردًّا على ناصحه، إنه يريد أن يُدخل هذا المسمار نفسَه، في النقطة نفسِها.
بحث عن المِسمار فوجده في ناحية الغرفة، حمله وأخذ يحاول فرضَ الاستقامة عليه بضربات من المِطرقة كأنها ضربات انتقام منه؛ إذ لم يتحمَّل الطَّرقات على رأسه واعوجَّ.
نهض من جديد، المسمار في النقطة نفسِها، المِطرقة تنهال على رأس المسمار بعنفٍ، ضربة، ضربتان، انكسر المسمار.
جنَّ جنونُه، فقدَ صوابَه، طاش عقلُه، جعل يضرب الجدار بالمِطرقة في النقطة التي أراد أن يضع فيها المسمار، فحطَّم ما على الجدار من طينةٍ ودهان.
رأى ما فعلَ في لحظةِ غضبه، فهاله أن يشوه المكان الأجمل في غرفته، والذي اختاره ليعلق صورته المتميزة، نظر إلى المِطرقة ثم رماها من يده، فأصابت زجاج النافذة فكسرته.
امتلأت الغرفةُ بشظايا الشباك المكسور، لم يقف الأمرُ عند هذا الحدِّ، بل دخلت الريح من الشباك بقوَّة، الجو عاصفٌ في الخارج، أراد أن يمشي إلى النافذة ليحاول إغلاقَها بطريقة ما، فداسَ على شظية من الزُّجاج، فاجأه ألم الجُرح في أسفل قدمِه فقفز، فإذا به يدوس بقدمِه الأخرى على شظايا جديدة، جُرحت قدماه الاثنتان، الدَّم يسيل منهما!
رمى بنفسه على كرسيٍّ صغير قُرب النافذة يريد نزع الشظايا من رجليه، الريح تصفر بقوَّة، هبةٌ قوية من الريح فتحتْ باب النافذة الآخر الذي كان لا يزال مُرتَجًا، ضربت النافذة رأسَه وأوقعته على الأرض، رأسه ينزف دمًا، رجلاه تنزفان دمًا، شظايا جديدة تدخل راحتيه، وتُدميان يديه.
تمزَّقت ستائرُ النافذة بحيث وقعت عليه، وغطَّت رأسه، لم يعد يرى شيئًا، الدماء تسيل من غيرِ ما موضعٍ من جسده.
حاولَ القيام، سقط على الأرض، سقط حيثُ ألقى المِطرقة، تذكر مسلسل فشلِهِ فاستعرَ غضبُه، رفع السِّتارة عن رأسه، أبصر ما حوله، وقع بصرُه على اللوحة التي أراد أن يعلِّقها، نظر إلى اللوحة كأنها تحفة، رمى المِطرقة بجنون على اللوحة فكسر اللوحة، تمزَّقت صورته، الإطار الذهبي تناثر قِطعًا، زجاج اللوحة المكسور زاد الشَّظايا في الغرفة، الريح تصفِرُ بقوَّة في الغرفة التي تحوَّلت إلى كُومة من الأنقاض، هو لا يزال على الأرض، كيفما تحرَّك تخزُّه الشظايا، وتُسيل منه دماءً جديدةً.
أغمض عينيْهِ، أطرق برأسِه، وبكى على حماقتِه.