منذُ أولِ آدمَ، ذاكَ الذي تلقى الليلَ
و النهارَ و تعرّفَ على شكلِ يدِه
و الرجالُ يختلقونَ القصصَ، و ينقشونَ
على الصخرِ، و المعدنِ، و الأوراقِ
كلُ ما يحويه العالمُ أو تختلقهُ الأحلامُ.
ها هنا ثمرةُ جهدِهم: المكتبة.
يُقالُ أنَّ ثروةَ المجلداتِ التي تحويها
تفوقُ عددَ النجومِ و حباتِ
الرملِ في الصحراء، وأنَّ الرجلَ الذي
يحاولُ قراءتها جميعاً، سوفَ يفقدُ
عقلَهُ، و يفقدُ فائدةَ عينيهِ الجريئتين.
ها هُنا ذاكرةُ القرونِ العظيمةُ
ذاكرة السيوفِ و الأبطالِ،
رموز الحسابِ المُختصرةُ
المعرفةُ التي تتخيلُ الكواكبَ،
و تحكمُ القدرَ، قوى
الأعشابِ، و النقوشاتُ الطلسميةُ،
الشِعرُ الذي يُخلّدُ لمساتِ العشقِ،
العلمُ الذي يفكُ شفرةَ
المتاهةَ الوحيدةَ لله، الدينُ،
و الخيمياءُ التي تطمحُ إلى تحويلِ الصلصالَ ذهباً
و كلُ رموزِ الوثنيةِ.
يقولُ الكافرونَ أنها لو احترقتْ
فسيحترقُ التاريخَ معَها، هم مخطئون.
عملُ البشرِ غير المتوقفِ أثمرَ عن هذه
اللانهائيةِ من الكتبِ. و لو أنها كلها
لم يبقَ منها أيّ كتابٍ، لاستطاعَ الانسانُ
أن يتلقى كلَ صفحةٍ منها و كلَ سطر،
كلَ عملٍ، و كل عشقٍ لهرقلَ
و كلَ درسٍ في كلِ مسوّدة.
في القرنِ الأولِ من الهجرة
أنا، عمرُ الذي أخضعَ الفرسَ
و الذي فرضَ الاسلامَ على طولِ الأرضِ
آمرُ جنودي أن يحرقوا
بالنارِ تلك المكتبةِ الغزيرة
التي لن تفنى. كلُ الحمدِ مذخورٌ
للهِ الذي لا ينامُ، و الصلاةُ على الرسولِ محمد.