صحة

قصة أصحاب الأخدود

تعد القصص الإسلامية مليئة بالعبر والمواعظ التى يجب أن نأخذ منها كل ماهو مفيد ونأخذه كنهج فى حياتنا.

من هم أصحاب الأخدود

أصحاب الاخدود هم نَّصارى نجران كما رويَ عن ابن عباس والملكُ الذي عذَّبهم هو ملك نجران، وقال الضحاك: إنَّ أصحاب الأخدود هم قومٌ من النصارى كانوا باليمن على زمنِ التُّبع قبل أن يُبعثَ الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- بأربعينَ سنة،  وقال ابنُ إسحاق: إنَّهم كانوا بعد ولادة سيدنا عيسى -عليه السلام-، وقال آخرون بأنَّهم كانوا قبل ذلك، وفي هذا المقال سنذكر قصَّة أصحاب الأخدود وما تضمَّنته من أحداث وعِبر.

قصة أصحاب الأخدود

وردَ ذكرُ قصَّة أصحاب الأخدود في القرآن الكريم كإشارةٍ إليها لكنَّها وردت مفصَّلة في حديثٍ طويلٍ للنبيِّ -صلَّى الله عليه وسلم- يروي فيه قصَّةَ الغلام والملك وأصحاب الأخدود، عن صهيب بن سنان أنَّ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: “كان ملكٌ فيمن كان قبلكم. وكان لهُ ساحرٌ، فلمَّا كبرَ قال للملكِ: إنِّي قد كبرتُ، فابعث إليَّ غلامًا أُعلِّمُه السحرَ. فبعث إليهِ غلامًا يُعلِّمُه. فكان في طريقِه إذا سلك راهبٌ فقعد إليهِ وسمع كلامَه. فأعجبَه. فكان إذا أتى الساحرَ مرَّ بالراهبِ وقعد إليهِ. فإذا أتَى السَّاحرَ ضربَه، فشكا ذلكَ إلى الرَّاهبِ، فقال: إذا خشيتَ الساحرَ فقل: حبسنِي أهلِي، وإذا خشيتَ أهلك فقل: حبسَني الساحرُ، فبينَما هو كذلكَ إذ أتَى على دابَّةٍ عظيمةٍ قد حبستِ الناسَ، فقال: اليومَ أعلمُ ألساحرُ أفضلُ أم الراهبُ أفضلُ؟ فأخذ حجرًا فقال: اللهمَّ إن كان أمرُ الراهبِ أحبُّ إليك من أمرِ الساحرِ فاقتل هذهِ الدابةَ حتى يمضي الناسُ، فرماها فقتلها ومضى الناسُ. فأتى الراهبَ فأخبرَه؟ فقال لهُ الراهبُ: أي بنيَّ! أنت اليوم أفضلُ مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنَّك ستُبتلى، فإنْ ابتُليتَ فلا تَدُلَّ عليَّ. وكان الغلامُ يُبرئُ الأكمَهَ والأبرصَ ويُداوي الناسَ من سائرِ الأدواءِ. فسمع جليسٌ للملكِ كانَ قد عمِيَ.

فأتاهُ بهدايا كثيرةٍ فقال: ما ههنا لكَ أجمعُ، إن أنتَ شفيتني، فقالَ: إني لا أشفي أحدًا إنَّما يشفي اللهُ، فإن أنتَ آمنتَ باللهِ دعوتُ اللهَ فشفاكَ، فآمنَ باللهِ، فشَفاهُ اللهُ. فأتَى الملكُ فجلسَ إليهِ كما كان يجلسُ، فقال لهُ المَلكُ: من ردَّ عليكَ بصرك؟، قال: ربِّي. قال: ولكَ ربٌّ غيرِي؟، قالَ: ربِّي وربُّك اللهُ. فأخذَه فلَم يزل يُعذِّبْه حتَّى دَلَّ على الغلامِ. فجئَ بالغلامِ، فقالَ لهُ الملكُ: أي بنيَّ! قد بلغَ من سِحركَ ما تُبرئُ الأكمَهَ والأبرصَ وتفعلُ وتفعلُ. فقال: إنَِّي لا أشفِي أحدًا. إنَّما يشفِي اللهُ. فأخذَه فلَم يزل يعذبْه حتَّى دلَّ على الراهبِ، فجِئ بالرَّاهبِ. فقيلَ لهُ: ارجِع عن دينِك، فأبَى. فدعا بالمنشارِ فوُضع المنشارُ على مفرقِ رأسِه، فشقَّه حتى وقع شِقَّاه. ثمَّ جيئ بجليسِ الملكِ فقيل لهُ: ارجِع عن دينِك، فأبَى. فوُضعَ المنشارُ في مفرقِ رأسِه. فشقَّهُ بهِ حتَّى وقع شِقَّاهُ. ثمَّ جِئ بالغلامِ فقيل لهُ: ارجع عن دينك، فأبى. فدفعَه إلى نفرٍ من أصحابِه فقال: اذهبوا بهِ إلى جبلِ كذا وكذا، فاصعدوا بهِ الجبلَ، فإذا بلغتم ذروتَه، فإنْ رجع عن دينِه، وإلا فاطرحوهُ. فذهبوا بهِ فصعدوا بهِ الجبلَ. فقال: اللهمَّ اكفنيهم بما شئتَ. فرجف بهم الجبلُ فسقطوا. وجاء يمشي إلى الملكِ، فقال لهُ الملكُ: ما فعل أصحابك؟، قال: كفانيهم اللهُ.

فدفعَه إلى نفرٍ من أصحابِه فقال: اذهبوا بهِ فاحملوهُ في قرقورٍ، فتوسَّطوا بهِ البحرَ، فإن رجع عن دينِه وإلا فاقذفوهُ. فذهبوا بهِ، فقال: اللهمَّ اكفنيهم بما شئتَ. فانكفأتْ بهم السفينةُ فغرقوا. وجاء يمشي إلى الملكِ، فقال لهُ الملكُ: ما فعل أصحابك؟، قال: كفانيهم اللهُ. فقال للملكِ: إنَّك لستَ بقاتلِي حتَّى تفعلَ ما آمرك بهِ. قال: وما هو؟، قال: تجمعُ الناسَ في صَعيدٍ واحدٍ وتُصلبني على جذعٍ ثمَّ خُذ سهمًا من كنانتي. ثمَّ ضعِ السهمَ في كبدِ القوسِ ثمَّ قل: باسمِ اللهِ ربِّ الغلامِ ثمَّ ارمني، فإنَّك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمعَ الناسَ في صعيدٍ واحدٍ، وصلبَه على جذعٍ ثمَّ أخذَ سَهمًا من كنانتِه، ثمَّ وضعَ السَّهمَ في كبدِ القوسِ ثمَّ قالَ: باسمِ اللهِ ربِّ الغلامِ، ثمَّ رماهُ فوقع السهمُ في صدغِه فوضع يدَه في صدغِه في موضعِ السهمِ فمات. فقال الناسُ: آمنَّا بربِّ الغلامِ، آمنَّا بربِّ الغلامِ، آمنَّا بربِّ الغلامِ. فأتى الملكُ فقيل لهُ: أرأيتَ ما كنت تحذرُ؟ قد واللهِ نزلَ بك حذرك، قد آمنَ الناسُ.

فأمرَ بالأخدودِ في أفَواهِ السككِ فخُدَّت، وأُضرمَت النيرانُ، وقال: من لم يرجِع عن دِينِه فأحمُوهُ فيها، أو قيلَ له: اقتحم. ففعلوا حتَّى جاءت امرأةٌ ومعَها صبيٌّ لها فتقاعست أن تقعَ فيها، فقال لها الغلامُ: يا أمَّه! اصبري، فإنَّكِ على الحقِّ” 1)، وفي هذا الحديثِ فصَّلَ الرسول -صلَّى الله عليه وسلم- قصَّة أصحاب الأخدود مع الملك الظالم الذي اختلف الرواة في من يكون، وقال ابن إسحاق: إنَّه الملك ذو نواس الذي جاء بجنده ليجبرَ النَّاس على الدخول في اليهودية وأحرقَ من رفضَ ذلك، وفي ذلك نزل قوله تعالى: “قتل أصحابُ الأخدود * النَّار ذات الوقود”، والله أعلم 2) 3).

مضامين قصة أصحاب الأخدود

في قصة أصحاب الأخدود رسالة عظيمة، وتعاليم إيمانية تبعثُ في المسلمين روح التضحية والفداء؛ لأنَّها تؤكدُ على أنَّ المؤمن الحقَّ هو الذي يضحي بنفسه وبكلِّ ما يملكُ في سبيل عقيدته الصحيحية وفي سبيل الإيمان بالله تعالى، قال تعالى: “وما نَقمُوا مِنهُمْ إلَّا أنْ يُؤمِنُوا باللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ” ، ونلمحُ درجةَ التضحيَّة الكبيرة في نهاية الحديث السابق عندما نطق الغلامُ وقال لأمِّه: “يا أمَّه اصبري، فإنَّكِ على الحق” ، ونرى أيضًا أنَّ الكافرينَ دائمًا يحقدونَ على أهل الإيمان، ويحاولون أن يردُّوهم عن دينهم بكل الوسائل، وما على المؤمنينَ إلا أن يكونوا حذرينَ لمكائدِ الكافرين 

مواضع ذكر أصحاب الأخدود في القرآن والسنة

أشارَ الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم إلى قصَّة أصحاب الأخدود في سورة البروج، قال تعالى: “قتل أصحابُ الأخدود * النَّارِ ذاتِ الوَقود *إذْ هُم عليهَا قعُود * وهُم على ما يفعَلونَ بالمؤمنينَ شُهودٌ”  ولم تُذكر قصَّتهم في القرآن الكريم في غير هذا الموضع، أمَّا في السنة الشريفة فقد وردت قصَّة أصحاب الأخدود بالحديث الطويل الذي مرَّ معنا في الفقرة السابقة

السابق
قصة حوت يونس عليه السلام
التالي
قصة عزير عليه السلام

اترك تعليقاً