تعد القصص الإسلامية مليئة بالعبر والمواعظ التى يجب أن نأخذ منها كل ماهو مفيد ونأخذه كنهج فى حياتنا
سورة البقرة
سورة البقرة ثاني سورة في المصحف الشريف، تسبقها سورة الفاتحة، وتليها سورة آل عمران، وهي أطول السور، إذ إنّها تقع في جزئين وأكثر، وعدد آياتها مئتان وثمانون آية، وهي سورة مدنية، وأول سورة نزلت في المدينة المنورة بعد الهجرة النبوية، ويُطلق عليها اسم قسطاط القرآن، وفيها آية الكرسي، وسميت سورة البقرة بهذا الاسم لأنّها توردُ قصة بقرة بني إسرائيل، كما تضم الكثير من الأوامر والأحكام والنواهي، وفي هذا المقال سيتم ذكر قصة بقرة بني إسرائيل.
قصة بقرة بني إسرائيل
قصة بقرة بني إسرائيل من القصص التي تحدث عنها القرآن الكريم، إذ كان لأحد الرجال الصالحين من بني إسرائيل بقرة، كان يُربيها ويرعاها ويُحافظ عليها كي تظلّ من بعده لابنه، وكان يذهب بها إلى المروج الخضراء كي ترعى ويدعو الله قائلًا: “اللهم إني استودعتكها لابني حتى يكبر”، ولم مات الرجل بقيت هذه البقرة من بعده لابنه اليتيم، وبقي يرعى البقرة كما كان يرعاها أبوه من قبله، وقد كان في بني إسرائيل رجلٌ يملك مالًا كثيرًا، ويُعدّ من وجوه بني إسرائيل، أعطاه الله المال والغنى وكان له ابنٌ وحيد، ورث كلّ شيءٍ عن أبيه، فحسده أبناء عمومته على هذا المال؛ لأنه لم يكن لديهم مثله، فتجمعوا عليه وقتلوه، وأشاعوا أن قومًا آخرين هم الذين قتلوه، وراحوا يُطالبونهم بدمه، وعند وقوع هذه المشكلة الكبيرة لم يجد القوم أي ملجأ لهم إلا أن يذهبوا إلى موسى -عليه السلام- كي يحتكموا إليه، فسألهم موسى عن الأمر، فأمرهم أن يأتوا ببقرة ويضربوا الميت بلسانها، فيحيا ويخبر بمن قتله.
وظن بنو إسرائيل أنّ موسى -عليه السلام- يستهزئ بهم، فراجعوه في هذا فقال لهم: “أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين”، ولو أنهم أطاعوا موسى -عليه السلام- وذبحوا البقرة لكان كافٍ، لكنهم أخذوا يسألونه عن صفات البقرة التي يجب أن يذبحوها، وكانوا كلما ازدادوا بالسؤال يزداد الوصف تعقيدًا، ولم يجدوا بقرة بالمواصفات المطلوبة إلا بقرة اليتيم التي بارك الله له فيها،فاشتروها منه بالكثير من المال، وذبحوها بعد حيرة وتردد.
وورد هذا في قوله تعالى: “وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ”1)، ولما ضربوا القتيل بالبقرة أحياه الله تعالى، وأخبر عن قاتله، وأصبحت تُعرف بأنها بقرة بني إسرائيل، وبهذا انتهت قصة بقرة بني إسرائيل.2)
مضامين قصة النمرود بن كنعان
بالإضافة إلى قصة بقرة بني إسرائيل، وردت في سورة البقرة أيضًا قصة النمرود بن كنعان، النمرود بن كنعان هو ملك جبار وعنيد ومتمرد، ادّعى الربوبية، وجرت بينه وبين الخليل إبراهيم -عليه السلام- مناظرة، فابطل نبي الله إبراهيم -عليه السلام- دليله، وأظهر جهله أمام الناس، وفضح قلة عقله، وكان النمرود بن كنعان ملك بابل، وهو من ملوك الدنيا الأقوياء، واستمرّ ملكه أربعمئة سنة، وكان ظالمًا وطاغيًا، وعندما دعاه إبراهيم -عليه السلام- للإيمان رفض واستمر في جهله وضلاله وقال عن نفسه بأنه إله.
وكانت المناظرة بينه وبين إبراهيم -عليه السلام- كما يأتي: قال إبراهيم: “ربي الذي يحي ويميت”، فقال النمرود: “أنا أحي وأميت”، فقَال ابراهيم: “إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ”، فظهر جهل النمرود وضلاله وكذبه، وبهت الذي كفر، ولم يعد يعرف ما يرد على إبراهيم، وبعد ذلك بعث الله تعالى إلى ذلك النمرود ملكًا كي يؤمن بالله تعالى، فأبى، ثم كرر دعوته له مرتين وثلاث مرات حتى قال: “اجمع جموعك وأجمع جموعي”، فجمع النمرود بن كنعان جيشه، فأرسل الله تعالى على الجيش ذبابًا من البعوض، وسلطه عليهم حتى أمل لحومهم ودماءهم ولم يترك منهم إلا الله، ودخلت في منخار النمرود ذبابة ومكثت فيه زمنًا طويلًا وعذبه الله بعا حتى هلك.
دلالة آية إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة
تتحدث هذه الآية الكريمة عن بقرة بني إسرائيل، ففي هذه الآية توبيخٌ للمخاطبين من بني إسرائيل، لأنهم لم يُطيعوا أمر الله تعالى الذي أمرهم أن يُطيعوا الأنبياء -عليهم السلام-، وحين قال موسى -عليه السلام- لقومه “إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة”، فأجابوا: “قالوا أتتخذنا هزوًا” والهزو هو السخرية، بهذا ظنوا بنبي الله ظن السوء، وأنه لاعبٌ وهازئ، وما كان عليهم أن يظنوا هذا بنبي الله حين أخبرهم أن الله تعالى يأمرهم بذبح البقرة