تعد القصص الإسلامية مليئة بالعبر والمواعظ التى يجب أن نأخذ منها كل ماهو مفيد ونأخذه كنهج فى حياتنا
زكريا عليه السلام
هو نبيُّ الله زكريَّا -عليه السلام- وهو نبيٌّ في الديانات الإبراهيمية الثلاث؛ الإسلام والمسيحية واليهودية، وهو أبو النبيِّ يحيى -عليه السلام-، ويعودُ نسبُه إلى سيدنا يعقوب بن إسحاق -عليهما السلام-، وحسب ما رودَ في القرآن الكريم فإنَّ عهدَ نبيِّ الله زكريَّا -عليه السلام- قريبٌ من عهد نبيِّ اللِه عيسى -عليه السلام-، قال تعالى: “وكَفلَها زكريَّا” 1). وقد ذُكِر اسم نبيِّ الله زكريَّا -عليه السلام- في القرآن سبع مرَّات، ووردت قصَّتُه في ثلاث سور وهي: “سورة آل عمران، وسورةُ مريم، وسورةُ الأنبياء”، وذُكرَت مفصَّلةً في سورة مريم. وسنذكرُ قصة زكريا عليه السلام في هذا المقال ونبيُّنُ بعضَ ما تضمَّنتهُ من عِبَر.
قصة زكريا عليه السلام
كان زكريا -عليه السلام- نجَّارًا كما قال رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلم- في الحديث: “كان زكريَّا نجَّارًا” 2). وعندما تقدَّم زكريَّا -عليه السلام- في العمر كثيرًا واشتعلَ رأسُه شيبًا وكذلكَ زوجته، بدأَ يفكِّرُ بالولد، ولم يكن له ولد في ذلك الوقت يتحمَّلُ عبءَ الرسالة من بعده، ويحملُ همَّ الدعوة إلى الله تعالى ويكونُ نبيًّا من أنبياء بني اسرائيل، وقد ذكرَ الله تعالى ذلكَ في قوله: “قالَ ربِّ إنِّي وهنَ العَظمُ منِّي واشْتعلَ الرأسُ شَيبًا ولَم أكُن بدعائِك ربِّ شقيًّا * وإنِّي خفتُ المَوالي من ورائِي وكانَت امرأتِي عاقرًا فهبْ ليْ من لدُنكَ وليًّا * يرثُني ويرثُ من آلِ يعقوبَ واجعلهُ ربِّ رضيًّا” 3)، وبقيَ يفكِّر في هذا الأمر الذي شغَلهُ حتى ذهبَ إلى معبدٍ يتعبَّدُ فيه ذات يومٍ ورآى مريمَ -عليها السلام- وبين يديها فاكهة صيفٍ في فصل الشتاء، قال تعالى: “كلَّما دخَلَ عليْهَا زكرِيَّا المِحرَابَ وجَدَ عندَهَا رزقًا قالَ يا مَريَمُ أنَّى لكِ هذَا قالَتْ هوَ منْ عندِ اللَّه إنَّ اللَّهَ يرزُقُ من يشَاءُ بغيرِ حسابٍ” 4).
وعندها أثارَ حالُ مريم -عليها السلام- حنينَه إلى الولد، ورغم تقدُّمه في السنِّ هو وزوجته لكنَّه كان واثقًا بقدرة الله تعالى، فرفعَ يديه إلى خالقهِ بخشوعِ قلبٍ وصدقِ لسانٍ وتوسَّلَ إليه -تعالى- بضعفِه وبرحمةِ الله تعالى واتِّساع عطائه، قال تعالى: “ربِّ هَب لي من لدُنكَ ذريَّةً طيِّبةً إنَّكَ سميعُ الدعاء” 5)، وأكرمَه الله بإجابةِ دعوته، فأرسلَ إليه الملائكةَ ليبشِّروه، قال تعالى: “يا زكريَّا إنَّا نُبشِّرُك بغلامٍ اسمه يحيى لم نجعلْ لهُ من قبلُ سميًّا” 6)، وبذلكَ منَّ الله تعالى على زكريا -عليه السلام- بولدٍ اسمهُ يحيى بعد أن ظنَّ أنّه لن يرزقَ بولدٍ أبدًا 7).
مضامين قصة زكريا عليه السلام
تقررُ قصة زكريا -عليه السلام- قضيَّةً عامَّةً بين البشر، خلاصتُها أنَّ الله -سبحانه وتعالى- مطلقُ القدرةِ يفعل ما يشاءُ كيفَ ما يشاءُ وقتَ ما يشاءُ، قال تعالى: “إنَّ الله يرزقُ من يشاءُ بغيرِ حسابٍ” 8)، لا تقيِّدُه الأسباب والمسبِّبات لأنَّه هو خالق الأسباب والمسبِّبات يصرِّفُها كيفَ يشاء -سبحانه وتعالى-، وتحضُّ السورةُ على ذكر الله تعالى في السرِّ والعلنِ لتطهير النفوس من الذنوبِ ولأنَّ القلوبَ تطمئنُّ بذكر الله، قال تعالى: “واذكُر ربَّكَ كثيرًا وسبِّح بالعشيِّ والإبكار” 9).
وتؤكدُ القصَّةُ على أنَّ الدعاء إذا صدرَ من إنسانٍ مؤمنٍ واثقٍ بالله تعالى سليم القلبِ لابدَّ وأن تتبعُه إجابةٌ من الله تعالى، فالعاقلُ من يلجأُ إلى الله تعالى لطلبِ الذريَّةِ وغيرها لأنَّه بيده كلُّ شيءٍ -تبارك وتعالى-، يقول تعالى مؤكِّدًا على إجابةِ الدعاءِ: “وقالَ ربُّكم ادعُونِي أستَجِب لَكُم” 10). وطلبُ الذريَّةِ الصالحة من سننِ المرسلينَ كما مرَّ أيضًا في هذه القصَّة وكما دلَّ على ذلك قول تعالى: “ولقَد أرسلنَا رُسلًا مِن قبلِكَ وجَعلنَا لهُم أزواجًا وذريَّةً” 11) 12).
تفسير آية ولم أكن بدعائك ربي شقيا
يقول المفسِّرون في تفسير هذه الآية: “لم أكن بدعائِكَ”، أي بدعائي إيَّاك، “ربِّ شقيًّا”، أي لم أشقَ أبدًا لأنَّكَ عوَّدتني على الإجابة دائمًا. وفي “معالمِ التفسير” للإمام البغوي يقولُ: معنى الآية أنَّكَ ربِّ عوَّدتني الإجابةَ فيما مضَى ولم ترُدَّها أبدًا، وقيلَ أيضًا: معناها أنَّكَ لمَّا دعوتَني إلى الإيمانِ آمنتُ ولم أشقَ بتركِ الإيمانِ، والله تعالى أعلَم 13).