كتب ومؤلفات

كتاب سأخون وطني

تعد الكتب و الرويات هى غذاء الروح وتقوم بإعطاء الإنسان معلومات وخبرات عن أشياء كثيرة فى الحياة.

سأخون وطني، لماذا؟

“سأخون وطني” حتمًا سترتبك وربما تبتلع ريقك بصعوبة أمام هذا العنوان فمن هذا الذي يقرِّر خيانة وطنه ثمَّ قبل أن يُقدِمَ على فعلته يؤلِّف كتابًا يخبر الجميع بأنَّه سيقوم بذلك، هذا ما فعله محمد الماغوط، فجاء كتابه سأخون وطني بمثابة إنذار لمن يهمه الأمر بأنَّ هناك من سيخون الوطن إذا ما استمرَّ الوطن بخيانته، كتاب سأخون وطني الذي يضمُّ بين جنباته 132 مقالةً و508 صفحات جاء بكمٍّ هائل من السخرية المُشبعة بالمرارة من كلِّ ما يتعلَّق بنا كشعوب عربية تقطن هذه البقعة الملتهبة من العالم..

مؤلف سأخون وطني

محمد احمد عيسى الماغوط، شاعر وأديب سوري عاش في الفترة ما بين عام 1934_2006 وقد كان فقره الشدّيد سببًا في تركه للمدرسة وعدم إكمال تعليمه وقد تنقَّل بين حماة ودمشق وبيروت هذه المحطّات الثلاثة التي كوّنت شخصيته ومعظم أفكاره وإبداعاته.

اشتهر الماغوط بعد عمله في الصحافة بمقالاته الساخرة فقد كان أحد مؤسسين جريدة تشرين وعمل فترةً كرئيس تحرير لمجلة الشرطة، كما كتب الشّعر والرواية والسيناريو والكثير من الأعمال المسرحية أشهرها مسرحية (كاسك يا وطن).

لمحة عن كتاب سأخون وطني

يجمع الماغوط في كتابه هذا معظم مقالاته التي كتبها في فترات متباعدة والتي تناولت وناقشت الوضع العربي وتضمنَّت نقدًا للمجتمع وتصرَّفات النّاس فيه، ولكن على الرَّغم من اليأس والمرارة التي تفوح من بين صفحات الكتاب إلّا أنَّه حاول دسَّ بعض النّور هنا وهناك فجمع بين الليل والنّهار والأمل واليأس وقدَّم لنا في النهاية صورةً متكاملة عن الإنسان العربي الذي أثقلته الهزائم ونكَّلت به جميع الأطراف.
يُحاكم كتاب سأخون وطني الحياة ذات الشعارات الرنّانة التي تصمُّ آذان الشباب وتُعمي أبصارهم فيحاول بذلك الأخذ بيد جيلٍ كامل تمَّ استنزاف طاقاته وثرواته من أجل بعض الأكاذيب.

هذا الكتاب يُعتبر صرخةً يودُّ كلُّ مواطنٍ عربي أن يصرخها علَّ حقوقه المسلوبة تعود يومًا ما ترجم فيه الماغوط أفكارًا ومشاعر وقضايا لا يمكن السكوت عنها أكثر من ذلك ولكن كان أحد الانتقادات التي وجّهت للكتاب هو تكرار الفكرة وكأنّك تقرأ نفس الشيء مرّاتٍ عديدة مما يُصيب القارئ بالملل لكن بعدَ حين ستكتشف بأنَّ هذا التكرار كان مقصودًا لترسخ هذه الفكرة في العقل الباطن ثمَّ تجدها فجأةً تسري منك مسرى الدَّم.

اقتباس من كتاب سأخون وطني

إحدى مقالات الكتاب والذي جاء بعنوان “المبتدأ والخبر” :

“بعد أن أتى الجراد السياسي في الوطن العربي على الحاضر والمستقبل، يبدو أنه الآن قد التفت إلى الماضي، وذلك حتى لا يجد الإنسان العربي ما يسند ظهره إليه في مواجهة الأخطار المحيطة به سوى مسند الكرسي الذي يجلس عليه، بدليل هذا الحنو المفاجئ على لغتنا العربية، وهذه المناحة اليومية في معظم صحف وإذاعات المنطقة، على ما أصاب قواعدها من تخريب وما يتعرض له صرفها ونحوها من عبث واستهتار، حتى لم يعد احجنا يعرف كيف يقرأ رسالة أو يدوّن رقم هاتف.
ومع احترامنا لكل حرف في لغتنا، ومع تقديرنا لجميع ظروف الزمان والمكان في كل جملة ومرحلة في الوطن العربي لا بد أن نسأل:
ما الفائدة من الاسم إذا كان صحيحاً… والوطن نفسه معتلاً؟
أو اذا كانت هذه الجملة أو تلك مبنية على الضم أو الفتح … والمستوطنات الإسرائيلية مبنية أمام أعيننا على جثث التلاميذ والمدرسين الفلسطينيين.
ثم، لم وجدت اللغة أصلاً في تاريخ أي أمة؟ أليس من أجل الحوار والتفاهم بين أفرادها وجماعاتها؟
فأين مثل هذا الحوار الآن فيما بيننا؟ هل هناك حوار مثلا بين التاجر والزبون؟بين العامل ورب العمل؟ بين المالك والمستأجر؟ بين الراكب والسائق؟ بين المحقق والمتهم؟ بين الابن والأب؟
أو بين الزوج والزوجة؟.
أيضاً لم تعد هناك حاجة لأن تسأل عن أي شيء، أو تجيب على أي شيء. فالأسعار مثلا في السينما، مكتوبة في كل بطاقة، وفي المستشفى، فوق كل سرير. وفي المطعم، في كل فاتورة، وكل ما حول المواطن العربي أصبح سعره واضحاً ومعروفاً ومكتوباً على جميع جوانبه، من الألبسة والأحذية والفاكهة والخضروات والبيوت والبارات والمزارع والعقارات إلى الرياضيين والمطربين والكتاب والصحفيين. ولم يبق إلا أن يكتب على الشعوب سعرها ومنشؤها ومدى صلاحيتها للاستعمال.
والأهم من كل هذا وذاك: هل هناك حوار بين السلطة والشعب في أي زمان ومكان في هذا الشرق؟ فأي مسؤول إنكليزي مثلاً عندما يختلف في الرأي مع أي كان في محاضرة أو مناقشة في بلده يأتي بحجة من شكسبير لإقناع مستمعيه، والإيطالي يأتي بحجة من دانتي.
والفرنسي يأتي بحجة من فولتير، والألماني يأتي بحجة من نيتشة.
أما أي مسؤول عربي فلو اختلفت معه حول عنوان قصيدة لأتاك بدبابة فتفضل وناقشها.
ولذا صار فم الإنسان العربي مجرد قنّ لإيواء اللسان والأسنان لا أكثر. وفي مثل هذه الأحوال:
ماذا يفعل حرف الجر المسكين أمام حاملة طائرات مثلاً؟
أو الفتحة والضمة أمام مدفع مرتد يتسع لمجمع لغوي؟
وما دام الحوار الوحيد المسموح به في معظم أرجاء الوطن العربي هو حوار العين والمخرز فلن ترتفع إلا الأسعار، ولن تنصب إلا المشانق، ولن تضم إلا الأراضي المحتلة، ولن تجر إلا الشعوب.
لذلك كلما قرأت أو سمعت هذا أو ذاك من الشعراء والصحافيين أو المذيعين العرب “يجعجع” عن الديموقراطية والعدالة والحرية، وينتصر على الصهيونية ويقضي على التخلف، ويتوعد هذا ويهدد ذاك، وهو جالس في مقهاه، أو وراء مذياعه، لا أتمنى سوى تأميم اللغة العربية من المحيط إلى الخليج وتكويمها في بيدر أو ساحة عامة في قلب الوطن العربي، وتكليف موظف مختص وراء أذنه قلم وأمامه سجل بجميع الكتاب والشعراء والأدباء العرب وينادي عليهم بأسمائهم ويسألهم فرداً فرداً:
– أنت أيها الشاعر التقليدي كم كلمة من أمثال: رماح، رمال، جراح، بطاح، تريد؟ تفضل مع السلامة.
– وأنت أيها الشاعر الحديث، كم كلمة من أمثال: تجاوز، تخطي إبداع، تأنس، تريد؟ تفضل مع السلامة.
– وأنت أيها المذيع العصبي، كم كلمة من أمثال: “في الواقع”، “في الحقيقة”، و”جدلية” و”شمولية”، و” نظرة موضوعية ” و”قفزة نوعية”، تريد؟ تفضل مع ألف سلامة”….

السابق
كتاب مسلم بالبطاقة
التالي
كتاب ألف ليلة وليلة

اترك تعليقاً