موضوعنا اليوم عن الصحابى سعيد بن الجبير من هو وصفاته وماهى قصة مقتله
التابعون هم المسلمون الذي عاشوا بعد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- والتقوا أحد صحابته، ومن التابعين أيضًا من عاش في عهد رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- ولكنه لم يرَ رسول الله في حياته، ويُعرِّف العلماء مصطلح التابعي على أنَّه لفظ يُطلق على كلِّ مسلم لم يلتقِ برسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- إنَّما التقى بصحابته الكرام، ومن العلماء من يقول: التابعي هو من روى عن الصحابة فقط شرطَ أن يموت وهو مسلم، وقد اشتهر عدد من التابعين العظماء الذين كان لهم فضل كبير في العلم والدين والدولة الإسلامية بشكل عام، وأشهرهم أويس القرني ورجاء بن حيوة وسعيد بن جبير، وهذا المقال سيجيب عن سؤال: من هو سعيد بن جبير؟ بالتفصيل.
من هو سعيد بن جبير
هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي، ليس من بني أسد بل كان مولى بني أسد حيث يرجع أصل سعيد إلى الحبشة، وهو أحد الرجال التابعين، لم تذكر الروايات مولد سعيد بشكل صريح، بل عُرف تاريخ مقتله وهو سنة 95 للهجرة في شهر شعبان، وقد جاء أنَّه قال لابنه: “ما بقاء أبيك بعد سبعة وخمسين” أي أنَّه عاش سبعة وخمسين عامًا وهذا يعني أنَّه وُلد سنة 38 للهجرة، والمؤكد أنَّه ولد في فترة خلافة الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وقيلَ أيضًا إنَّ سعيد توفِّي وله من العمر 49 عامًا أي أنَّ مولده يكون سنة 46 للهجرة، كان سعيد بن جبير عالمًا من علماء المسلمين وفقيهًا من فقهائهم، يملك قلبًا نابضًا بالإيمان، ولم يكن يخشى في الله لومة لائم، لا يخفي كلمة الحق بل يقولها مهما كانت العواقب.[١]
رأى سعيد ما يحدث في بلاد المسلمين بعينه، وخاصة بعد أن حاصرالحجاج بن يوسف الثقفي مكة وقصفها وانتهك حرمة البيت الحرام، وبعد أن قدَّم سعيد الطاعة للحجاج بالقوة، سافر إلى الكوفة وبدأ بنشر الحديث وتعليم الناس الفقه، فتفاجأ بتعيين الحجاج واليًا على الكوفة فسافر إلى أصفهان في إيران ثمَّ عاد إلى مكة، ليقضي معظم حياته متنقلًا بين الأمصار هربًا من الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان قد طلبه عندما تولَّى الكوفة فرفض سعيد مقابلته وغادر البلاد، قد مات سعيد بن جبير مقتولًا على يد الحجاج بن يوسف أخيرًا سنة 95 للهجرة بعد مسيرة طويلة في العلم والفقه، رضي الله عن سعيد وأرضاه.[٢]
صفات سعيد بن جبير
جاءت صفات التابعي الجليل سعيد -رضي الله عنه- في ما أورد الذهبي في كُتبُه، حيث قيل إنَّ سعيد كان أسود لون البشرة فهو حبشي الأصل والمعروف عن الأحباش أنَّهم أصحاب بشرة سوداء، وقيلَ إنَّه كان أبيض شعر الرأس واللحية، وتقول الروايات إنَّ سعيد سُئل ذات يوم عن الخضاب أي الصبغ بالوسمة فقال: “يكسو الله العبد النور في وجهه ثم يطفئه بالسواد؛ فالصبغ يكون بالأحمر أو بالحناء، ويكره الصبغ بالسواد”، وقيل إنَّ سعيد كان يرتدي عمامة بيضاء، وكان تقيًا ورعًا يخشى الله تعالى، ويحافظ على حدود الله -عزَّ وجلَّ- وخير دليل على هذه الصفات هو قصة موته، فقد مات على يد الحجاج في سبيل كلمة الحق، والله تعالى أعلم.[٣]
علم سعيد بن جبير
كان سعيد -رضي الله عنه- من خيرة التابعين وأكثرهم علمًا، فقد عكف على العلم منذ بدايات حياته وتتلمذ على يد كبار صحابة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- مثل: أبي سعيد الخدري، أبو موسى الأشعري، عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم-، ولكنَّ الفضل الأعظم في علم سعيد يرجع إلى حبر الأمة الصحابي الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنه الذي لازمه سعيد مدة طويلة وأخذ عنه كثيرًا من العلم، وقد أخذ سعيد من عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قراءات القرآن الكريم الثابتة عن رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- فقرأ بها وعلَّمها للناس، وقد تعلَّم التأويل والتفسير فكان عالمًا من خيرة علماء الأرض حتَّى قال عنه الناس عند موته: “مات سعيد بن جبير، وما على ظهر الأرض أحد من أهل زمانه إلا وهو محتاج إلى علمه”، وتعتبر أقوال سعيد عند العلماء اليوم صحيحة لأنّه أخذ عن عبد الله بن عباس مباشرة، فكان ثقة بين العلماء لفقهه وورعه وتعبُّده، وهي الصفات التي يجب أن يتحلى بها العلماء الثقة، والله أعلم.[٤]
قصة مقتل سعيد بن جبير
بعد أن قبض والي مكة على سعيد الذي كان يعيش في مكة، قام بإرساله إلى الحجاج بن يوسف الثقفي مكبلًا بالقيود، فسار من الحجاز إلى العراق مكبلًا، حتَّى إذا وقف بين يدي الحجاج، دار بينهما حوار طويل يسأل به الحجاج عن سبب خروج سعيد عن طاعة الحجاج وانقلابه على أمير المؤمنين، وبعد حوار طويل دافع فيه سعيد عن نفسه وعن كلمة الحق بإيمان مطلق، قال له الحجاج: أي قتلة تريد أن أقتلك؟، فقال سعيد: اختر لنفسك يا حجاج، فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة، فردَّ الحجاج: أتريد أن أعفو عنك؟ فقال سعيد: إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عُذر، فقال الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه، وبينما همَّ الجند بقتله ضحك سعيد فتعجَّب من حوله وأخبروا الحجاج فدعاهم لردِّه وسأله: “ما أضحكك؟، فقال سعيد: عجبت من جرأتك على الله وحلمه عنك، فأمر الحجاج بقتله، فتلا سعيد قول الله تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[٥]، فقال الحجاج: وجهوه لغير القبلة، فقرأ سعيد قول الله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}[٦]، فقال الحجاج: كبوه على وجهه، فَتلَا سعيد: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ}[٧]، فأمر الحجاج بذبحه، فنطق سعيد بالشهادتين ثمَّ دعا قائلًا: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي، ومات سعيد بن جبير في 11 رمضان من عام 95 للهجرة، واستجاب الله دعاءه فقد مات الحجاج بعده بفترة قصيرة ولم يقتل بعده أحدًا، والله تعالى أعلم.