أشعار ابن زيدون عن البعاد
نثر من شعراء الأندلس
بن زيدون بين الشعر والنثر
بن زيدون من الشعراء الذي قامت عليهم الأدب الأندلسي واشتهر بالأشعار والنثر عن الحب والفراق.
نبذة عن ابن زيدون
وهو أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أحمد بن غالب بن زيد المخزومي الشاعر الأندلسي المعروف، وُلدَ ابن زيدون سنة 1003م في قرطبة، وهو شاعر من الشعراء الأندلسيين الذين برعوا شعرًا ونثرًا، وهو أحد أشهر الشعراء في تاريخ الأدب الأندلسي، وعاش في جو الأندلس الرائق وطبيعته الساحرة، فنَمَتْ قريحتُه الشعرية وتطورت أدوات القصيدة عنده، فتناول أغراض الشعر كلِّها، واشتهرت قصة حبه لولادة بنت المستكفي، التي أبدع فيها أروع القصائد التي حُفرت في ذاكرة الأدب الأندلسي مدى الدهر، وتوفي ابن زيدون سنة 1071م، وهو على مشارف السبعين عامًا، وهذا المقال سيتناول الحديث عن شعر ابن زيدون في الفراق إضافة إلى الحديث عن الفنون النثرية عنده. 1)
شعر ابن زيدون في الفراق
إنَّ الحديث عن أي شاعر لا يكتمل إلَّا أخذ أمثلة من شعره حتَّى تتجلى ملامح شخصيته ونفسيته وشعريته، فالشعر هوية شاعره، والشعر هو الطريق الذي يدل على طبع الشاعر وهو الريشة التي ترسم شكل الشاعر وتقاسيم وجهه، وهذا أبرز ما جاء من شعر ابن زيدون في الفراق في الأدب الأندلسي:
- إنَّ أشهر ما جاء من شعر ابن زيدون في الفراق قوله: 2)
أَضحى التَنائي بَديلًا مِن تَدانينا وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا
أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا
مَن مُبلِغُ المُلبِسينا بِاِنتِزاحِهِمُ حُزنًا مَعَ الدَهرِ لا يَبلى وَيُبلينا
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا أُنسًا بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا
- وفي شعر ابن زيدون في الفراق يقول ابن زيدون: 3)
إِنّي ذَكَرتُكِ بِازَهراءَ مُشتاقا وَالأُفقُ طَلقٌ وَوجهُ الأَرضِ قَد راقا
وَلِلنَسيمِ اِعتِلالٌ في أَصائِلِهِ كَأَنَّهُ رَقَّ لي فَاعتَلَّ إِشفاقا
وَالرَوضُ عَن مائِهِ الفِضِيِّ مُبتَسِمٌ كَما شَقَقتَ عَنِ اللَبّاتِ أَطواقا
يَومٌ كَأَيّامِ لَذّاتٍ لَنا انصَرَمَت بِتنا لَها حينَ نامَ الدَهرُ سُرّاقا
نَلهو بِما يَستَميلُ العَينَ مِن زَهَرٍ جالَ النَدى فيهِ حَتّى مالَ أَعناقا
- ومن شعر ابن زيدون في الفراق أيضًا: 4)
هَوايَ وَإِن تَناءَت عَنكَ داري كَمِثلِ هَوايَ في حالِ الجِوارِ
مُقيمٌ لا تُغَيِّرُهُ عَوادٍ تُباعِدُ بَينَ أَحيانِ المَزارِ
رَأَيتُكَ قُلتَ إِنَّ الوَصلَ بَدرٌ مَتى خَلَتِ البُدورُ مِنَ السِرارِ
وَرابَكَ أَنَّني جَلدٌ صَبورٌ وَكَم صَبرٍ يَكونُ عَنِ اِصطِبارِ
- ويقول ابن زيدون أيضًا: 5)
أغائبةً عنّي، وحاضرةً معي! أناديكِ، لمّا عيلَ صبريَ، فاسمعي
أفي الحقّ أن أشقى بحبّكِ أوْ أرَى حَرِيقًا بأنفاسي، غَرِيقًا بأدمُعي؟
ألا عَطْفَةٌ تَحْيَا بِهَا نَفْسُ عَاشِقٍ جَعلتِ الرّدى منه بمرْأى وَمَسمَعِ؟
صِليني، بعضَ الوصلِ، حتَّى تبيّني حقيقةَ حالي، ثمّ ما شئتِ فاصنَعي
- ومن شعر ابن زيدون في الفراق قوله: 6)
أأُجفى بلا جُرْمٍ، وَأُقْصَى بلا ذَنْبِ سوَى أنّني مَحْضُ الهَوى، صَادقُ الحبِّ
أغاديكَ بالشكوى، فأضْحي على القِلى وأرجوك للعُتبَى، فأظفرُ بالعتْبِ
فديتُكَ، ما للماء، عذبًا على الصّدى وَإنْ سُمتَني خَسفًا، مَحَلُّكَ من قلبي
وَلَوْلاَكَ، ما ضَاقتْ حشايَ، صَبابةً جَعلتُ قِرَاها الدّمعَ سكبًا على سكبِ
نثر ابن زيدون
لم يقتصر أدب الشاعر الأندلسي ابن زيدون على الشعر، بل اشتهرت له كثير من الكتب النثرية في الفنون النثرية كلها، وكان نثره بديع الصياغة حسن الأسلوب، رائق الأسلوب، ولكن على الرّغم من قيمة نثره إلَّا أنَّه لم يصل من نثره الكثير، باستثناء بعض رسائله الأدبية، كالرسالة الهزلية التي كتبها ابن زيدون على لسام حبيبته ولادة بنت المستكفي إلى ابن عبدوس وقد أكثر من السخرية فيها والهزل، والنّقد الساخر، والرسالة الجدية التي كتبها ابن زيدون في السجن في آخر أيام حياته، ورسالة الاستعطاف التي كتبها ابن زيدون بعد أن هرب من السجن ورجوعه إلى قرطبة، وهي من أشهر رسائل ابن زيدون وأعلى رسائله قيمة فنية وأدبية، وجدير بالذكر إنَّ لابن زيدون أيضًا كتاب في التاريخ –تاريخ الأمويين– واسمه “التبيين” ولكن الكتاب ضاع واندثر ولم يصل منه شيء، ولك يبق منه إلَّا القليل مما حفظه المقري في كتابه “نفح الطيب”، والله أعلم. 7)