فى هذا المقال نتعرف على إبراهيم عليه السلام ودعوته لابوه وقصه ذبحه لابنه اسماعيل عليه السلام
سُمّي إبراهيم -عليه السلام- بأبي الأنبياء؛ لأنّ العديد من الأنبياء جاؤوا من نسله، وهو من الخمسة أولي العزم من الرسل، وُلد إبراهيم -عليه السلام- في بابل، في العراق، وكان حينها قومه يعيشون في ظُلمةٍ، وبُعدٍ عن الدين، حتى وصل بهم ذلك إلى عبادة الكواكب، والأصنام، والملوك، وكان إبراهيم -عليه السلام- يرى حال قومه وما أوصلهم إليه جهلهم، ومع أنّه كان فتى صغير؛ إلّا أنّ تفكيره وعقله هداه إلى بُغض ما يفلعه قومه، وإدراك استحالة أن يكون الصنم إلهاً، بل لم يكتفِ لشدّة ذكائه وشعوره بالمسؤوليّة تجاه قومه بالامتناع عن عبادة الأصنام فقط، بل حاول دعوة قومه إلى ترك عبادة الأصنام، والتوجّه للخالق وحده.[١]
فكّر إبراهيم -عليه السلام- بحيلةٍ عقليّةِ حتى ينبّه قومه إلى خطئهم، فجلس معهم كما في طقوسهم وتظاهر بعبادة كوكبٍ لامعٍ في الليل، ثمّ إذا اختفى الكوكب تسائل إبراهيم -عليه السلام- أمام قومه كيف للإله المعبود أن يختفي، ويبتعد عن عباده، ويغيب عن حاجاتهم، ثمّ ظهر القمر أكبر وأكثر لمعاناً، فتوجّه إليه مُتظاهراً بالعبادة، حتى إذا اختفى القمر، كرّر تساؤله حول الإله، واختفائه عن أتباعه وعباده، ثمّ حاول أن يغيّر طقوس عبادتهم بالكليّة حتى يزعزع فيهم ثقتهم بصنيعهم، فتوجّه إلى الشمس نهاراً، وقال الله -تعالى- في ذلك: (فَلَمّا رَأَى الشَّمسَ بازِغَةً قالَ هـذا رَبّي هـذا أَكبَرُ فَلَمّا أَفَلَت قالَ يا قَومِ إِنّي بَريءٌ مِمّا تُشرِكونَ)،[٢] حين ذلك رأى إبراهيم -عليه السلام- أنّ الوقت متاح ليغرس فيهم الصواب بالتوجّه بالعبادة إلى الله وحده لا شريك له، فهو أكبر من كلّ تلك المخلوقات التي تأتي وتختفي، فكانت هذه حُجّة إبراهيم على قومه، وقد ذكرها الله -تعالى- مفصّلةً في القرآن الكريم.[١]
إبراهيم خليل الله
يرد معنى الخليل بأنّه الصاحب، المخلص، المقرّب، أو الحبيب، والصفيّ، والوليّ،[٣] ولقد خصّ الله -تعالى- في هذه المرتبة إبراهيم -عليه السلام- ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال الرسول: (فإن الله -تعالى- قد اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيمَ خليلاً)،[٤] وقد استحقّ نبيّا الله محمّد وإبراهيم -عليهما السلام- المنزلة العظيمة لعدّة أسباب؛ منها: تحقيقهما التوحيد لله -تعالى- على أكمل وجه، ولقد ذكر الله -تعالى- في كتابه الكريم الصفات العظيمة التي جعلت إبراهيم -عليه السّلام- يستحقّ المنزلة الرفيعة؛ منها:[٥]
- القنوت والشكر لله سبحانه، حيث قال الله تعالى: (إِنَّ إِبراهيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ حَنيفًا وَلَم يَكُ مِنَ المُشرِكينَ*شاكِرًا لِأَنعُمِهِ اجتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ).[٦]
- إتمام أوامر الله -سُبحانه- على أكمل وجه، قال الله تعالى:(وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى).[٧]
- كثرة التضرّع، والدعاء، واستغفار الله تعالى، فقد قال الله عزّ وجلّ: (إنَّ إبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ).[٨]
- الكرم، والسخاء على الضيف، حيث قال الله -تعالى- في وصف ذلك: (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ*فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ).[٩]
- الصبر في سبيل الله، حيث قال الله تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)،[١٠] وإبراهيم -عليه السلام- من أولي العزم من الرسل.
الأمر بذبح إسماعيل
قال ابن القيّم -رحمه الله- في معنى الخُلّة بأنّها: المحبّة التي تخلّلت روح المحبّ، وقلبه، حتى لم يبقَ فيه موضع لغير المحبوب، ولذلك كان هناك ارتباط وثيق بين خلّة إبراهيم -عليه السلام -مع الله سبحانه، ومع أمر الله بأن يذبح إبراهيم ولده إسماعيل عليهما السلام، فإنّ إبراهيم -عليه السلام- عندما شبّ ابنه إسماعيل، وتعلّق قلبه به، وأحبّه حبّاً شديداً، غار المحبّ وهو الله -سبحانه- على حبيبه إبراهيم، فأمره بذبح ابنه؛ حتى يخلو المحبوب لحبيبه، ويصفو قلبه حبّاً له وحده، فلمّا استسلم إبراهيم -عليه السّلام- لأمر الله سُبحانه، وفضّله على ابنه وفلذة كبده إسماعيل عليه السلام؛ تحقّق مراد الله سبحانه، وهو صفاء توجّه قلب إبراهيم لربّه عزّ وجلّ، حينها وبعد تحقّق كلّ المعاني، واستقرارها في القلب، لم يعد هناك حاجة لذبح إسماعيل عليه السلام، فأنجاه الله -تعالى- بفضله ومنّته، قال الله تعالى: (وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ*إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ)،[١١] فهو اختبار، وابتلاء المحبوب لحبيبه، وامتحانه ليؤثر محبّته على كلّ مَن سواه.[٥]
دعوة خليل الله لوالده
كان من انشغال قلب إبراهيم -عليه السلام- بالتوحيد أن دعا قومه إلى ذلك، واستخدم في ذلك الجهد، والحيل؛ ليوصلهم إلى وحدانيّة الله سبحانه، وبالرّغم من تمكّن تلك المعاني في قلبه إلّا أنّ والده آزر لم يكن موحّداً، بل كان مشركاً، احترف النجارة، فكان يصنع من الخشب أصناماً فيعبدها، ويبيعها للناس فيعبدوها، ولقد شقّ ذلك الحال على ابنه إبراهيم عليه السلام، فبدأ بدعوته بلين، ولطف، ويتحيّن الأوقات والمواقف ليكلّمه بالعقل والمنطق، أنّ عبادة الأصنام لا تنفع صاحبها شيئاً، لكنّ والد إبراهيم -عليه السلام- كان مغلق القلب والآذان، فلم يستمع لكلمات ابنه إبراهيم، ولا لترغيبه بعبادة الله وحده، بل استمرّ على دينه وكفره، وأكثر من ذلك أن هدّد إبراهيم -عليه السلام- بالرجم والقتل، إن استمرّ وألحّ على والده بالحديث عن التوحيد، حيث قال الله تعالى:(قالَ أَراغِبٌ أَنتَ عَن آلِهَتي يا إِبراهيمُ لَئِن لَم تَنتَهِ لَأَرجُمَنَّكَ وَاهجُرني مَلِيًّا)،[١٢] فكان من أخلاق الولد المؤمن البارّ بوالده أن تركه تركاً جميلاً دون عِتابٍ أو قطيعةٍ، وخرج من حيث يقطن والده مستغفراً وداعياً له بالهداية والصلاح.[١]