شعر عربي

شرح قصيدة العلم لأحمد شوقي

الشاعر المصري أحمد شوقي

شرح لقصيدة العلم

من القصائد العربية

قصيدة العلم للشاعر أحمد شوقي وهو من الشعراء الذي كان له أثر واضح في الشعر العربي.

أمير الشعراء أحمد شوقي

وُلدَ أحمد شوقي في القاهرة عام 1870م لأبٍ شركسيٍّ وأمٍّ من أصول يونانيَّة،

ونشأ في قصر الخديوي إسماعيل مع جدَّته، ولمَّا بلغَ الرابعة التحقَ بالكتَّاب

فحفظَ قَدْرًا من القرآن وتعلَّم القراءة والكتابة، وبعد أن التحق بالمدرسة انكبَّ

على كتب فحول الشعراء قراءةً وحفظًا فبدأ الشعر يجري على لسانهِ،

ثمَّ التحق بمدرسة الحقوق وانتسب لقسم الترجمة، درسَ في فرنسا القانون

وأخذ إجازة في الحقوق، عاد إلى مصر وتوثَّقت علاقته بالخديوي عباس حلمي

إلى أن دخل الإنجليز ونفوه إلى برشلونة عام 1914م، وعاد إلى وطنه عام 1920م

وتسلَّم منصب أمير الشعراء عام 1927م، وتوفي عام 1932م،

وهذا المقال سيتناول قصيدة عن العلم للشاعر وأشعار أخرى في العلم. 1)

قصيدة عن العلم لأحمد شوقي

تركَ الشاعر الكبير أحمد شوقي الكثيرَ من القصائد الرائعة، فلم يتركْ مجالًا إلّا وكتبَ فيه،

ولم يترك مناسبةً إلا وكتبَ عنها أمير الشعراء، فقد منحه الله تعالى موهبةً شعرية قلَّ نظيرُها،

وكان الشعر ينهال عليه بكل سلاسة ولا يجدُ أيَّ عناءٍ في نظمِ قصيدة عن العلم

وعن كل مجال من مجالات الحياة، ولذلك كان ميراثه الشعري كبير جدًّا حيثُ نظمَ شوقي

الشعرَ العربيَّ في كلِّ أغراضه من مديحٍ ورثاءٍ وغزلٍ ووصفٍ وحكمةٍ، وله في ذلك قصائد رائعة

ترفعُه إلى قمَّة الشعرِ العربيِّ، ومن قصائده التي تناول فيها العلم قصيدته المشهورة

التي مطلعُها “قُم للمعلمِ وفِّه التبجيلا”، وهي قصيدة عن العلم يتناول فيها أحمد شوقي

موضوع العلم بالحديثِ عن المعلمين الذين يجري العلمُ على أيديهم وهم الذين يخرجونَ

الأجيال وراء الأجيال ويبنون الأمم بالعلم وحده، ويتحدَّث عن حال مصر المتعثِّر في طريق العلم

ويحرِّضُ الشباب والجميع على طلب العلم والانطلاق في ركبه لتحقيق أسمى الغايات، يقول فيها: 2)

قُمْ للمعلِّمِ وفِّـهِ التَّبجيـلا    كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا

أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي    يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا

سُـبحانكَ اللهمَّ خـَيرَ معـلِّمٍ    علَّمتَ بالقَلمِ القُـرونَ الأُولى

أخرَجـتَ هذا العَقلَ من ظُلماتِه    وهديتهُ النُّـورَ المُبينَ سـَبيلا

وطَبعتَـهُ بيَدِ المعلِّـمِ، تـارةً    صدِيء الحديدِ، وَتارةً مصقُولا

أرسَلتَ بالتَّـوراةِ موسَى مُرشدًا    وابنَ البَتـولِ فعلَّم الإنجِيـلا

وفجَـرتَ يَنبـوعَ البَيانِ محمَّد    فسَقى الحَديثَ وناوَلَ التَّنزيلا

علَّمـتَ يونانًا ومصرَ فزالَـتا    عن كلِّ شـَمسٍ ما تُريد أفولا

واليومَ أصبحنـا بحـالِ طُفولـةٍ    في العلْمِ تلتَمسانه تَطفيـلا

من مَشرقِ الأرضِ الشُّموسُ تظَاهرتْ    ما بالُ مَغربها عَليه أُدِيـلا

يا أرضُ مُذ فَقدَ المُعلِّـمُ نفسَه    بينَ الشُّموسِ وبينَ شَرقك حِيلا

ذهبَ الَّذينَ حموا حقيقـةَ عِلمهم    واسْتَعذبوا فيهَا العذاب وَبيلا

في عالَـمٍ صَحبَ الحَيـاةَ مُقيَّدًا    بالفَردِ، مَخزومًا بـِه، مَغلولا

صرعتهُ دُنيا المُستبدِّ كمَا هوَتْ    من ضَربةِ الشَّمس الرؤوس ذهُولا

سقراطُ أعطَى الكـأسَ وهيَ منيَّةٌ    شفتَي مُحِبٍّ يَشتهي التَّقبيـلا

عرضُوا الحيـاةَ عليهِ وهي غَباوة    فأبَى وآثَرَ أنْ يمُوتَ نَبيـلا

إنَّ الشَّجاعةَ في القُلوبِ كَثيرةٌ    ووَجدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلا

إنَّ الذي خلـقَ الحَقيقـةَ علقماً    لم يُخـلِ من أَهلِ الحَقيقةِ جِيلا

ولربَّما قَتلَ الغَـرامُ رجالَـها    قُتِلَ الغَرامُ، كم اسْتباحَ قَتيلَا

أوَ كلُّ من حامَى عن الحقِّ اقتَنى    عندَ السَّـوادِ ضغَائناً وذخُولا

لو كنتُ أعتَقدُ الصَّليـبَ وخطبهُ    لأقمتُ من صلْبِ المَسيحِ دَليلا

أمعلَّمي الوادي وسَاسـة نشئِـهِ    والطَّابعين شَبابَـه المَأمـولا

والحَامليـنَ إذا دُعـوا ليعَلِّمـوا    عِبءَ الأمَانـةِ فاِدحـًا مَسؤولا

ونيَتْ خطـَى التَّعليمِ بَعـد مُحمّدٍ    ومشَى الهوينا بعد إسمَاعيـلا

كانَت لنَا قدَمٌ إليهِ خَفيفـةٌ    ورمَتْ بدنلوبٍ فكَان الفِيـلا

حتَّى رَأينـا مِصـرَ تخطـو إصبعًا    في العلْمِ إن مشَت المَمالكُ مِيلا

تِلك الكفـورُ وحُشـوها أميَّةٌ    مِن عَهدِ خُوفو لم تَرَ القِنديـلا

تَجدُ الذين بَـنى المسلَّـةَ جـدُّهم    لا يُحسِـنونَ لإِبرةٍ تشكِيلا

ويدَلِّـلونَ إذَا أريدَ قيادُهم    كالبهمِ تأنسُ إذْ ترَى التَّدليلا

يتلُو الرجالُ عَليهمُ شَهواتهم    فالنَّاجحون ألذُّهـم تَرتيـلا

الجَهـلُ لا تَحيـا عَليهِ جماعةٌ    كَيفَ الحَياةُ علَى يديَّ عَزريلا

واللهِ لولا ألسُـنٌ وقَرائحٌ    دارَتْ علَى فطنِ الشَّبابِ شَمـولا

وتعهَّـدتْ من أربعيـنَ نفوسِـهم    تَغزو القنـوطَ وتغـرسُ التأميلا

عرفتْ مواضعَ جَدبـهم فتَتَابعـتْ    كالعَينِ فَيضَـاً والغَمامِ مَسيلا

تُسدي الجَميلَ إلى البلادِ وتَستحي    من أنْ تُكافـأَ بالثَّنـاءِ جَميـلا

ما كـانَ دنلـوبٌ ولا تعليمـُه    عند الشَّدائـدِ يُغنيـانِ فَتيـلا

ربُّوا على الإنصَافِ فتيانَ الحِمـى    تجدُوهمُ كَهفَ الحقوقِ كُهـولا

فهوَ الَّذي يَبني الطِّبـاعَ قَـويمةً    وَهوَ الذي يَبني النُّفوسَ عُـدولا

ويقيمُ منطقَ كلِّ أعـوج منطـقٍ    ويريه رأيًا في الأمـورِ أصِيـلا

وإذا المعلِّمُ لَم يكـنْ عدلًا مشَى    روحُ العَدالةِ في الشَّبابِ ضَـئيلا

وإذا المعلِّمُ سَـاءَ لَحـظَ بَصيـرةٍ    جَاءتْ علَى يدهِ البَصائرُ حُـولا

وإذَا أتَى الإرشادُ من سَببِ الهوى    ومن الغُرور ِ فسمِّهِ التَّضـليلا

وإذا أُصيـبَ القَومُ في أخلاقِـهمْ    فأقـمْ عَلِيهـم مَأتمًا وعـويلا

إنِّي لأعذرُكم وأحسـبُ عبئَـكُم    من بينِ أعبَاءِ الرِّجـالِ ثَقيـلا

وَجدَ المُساعـدَ غَيرُكم وَحُرِمتـمُ    في مِصرَ عَونَ الأمَّهاتِ جليـلا

وإذا النَّسـاءُ نشـأنَ في أُمِّـيَّةٍ    رضـِعَ الرجالُ جَهالةً وخُمولا

لَيسَ اليَتيمُ مَن انتهى أبواهُ مِن    هـمِّ الحـياةِ، وخلَّفاهُ ذَليـلا

فأصَـابَ بالدُّنيـا الحكيمَة مِنهما    وبحُسنِ تَربيـةِ الزَّمـانِ بَديـلا

إنَّ اليَتيمَ هـوَ الذي تلقَـى لَـهُ    أمًّا تخلَّـتْ أو أبًا مَشغـولا

مصـرٌ إذا ما راجَعـتْ أيَّامـها    لم تلقَ للسَّبتِ العَظيمِ مَثيـلا

البرلمانُ غَـدًا يمدُّ رواقَـهُ    ظلًّا علَى الوَادي السَّعيدِ ظَليلا

نرجُو إذا التَّعليم حرَّك شَجـوَه    إلا يكونَ على البِلاد بَخيـلا

قُل للشَبابِ اليومَ بورِكَ غرسُكم    دنتِ القُطوفُ وذلِّلَتْ تَذليـلا

حَيُّـوا مِن الشُّهداءِ كُلَّ مغَيَّـبٍ    وضعُوا علَى أحجَـاره إكلِيـلا

ليكُونَ حـَظَّ الحيِّ من شُكرانكم    جمَّـًا وحظُّ المَيتِ منهُ جَزيـلا

لا يلمسُ الدُّستورُ فيكُم روحَـه    حتَّى يـرى جُنْديَّـهُ المَجهـولا

ناشدتُكم تلك الدمـاءَ زكيّـةً    لا تبعثـوا للبرلمـانِ جهـولا

فليسألنَّ عن الأرائـكِ سائـلٌ    أحملنَ فضـلًا أمْ حملنَ فُضـولا

إنْ أنتَ أطلعتَ الممثِّلَ ناقصـًا    لم تلقَ عند كمالـه التمثيـلا

فادعوا لها أهلَ الأمانـةِ واجعلوا    لأولي البصائر منهُـمُ التفضيلا

إنَّ المُقصِّرَ قد يحول ولن تـرى    لجهالـةِ الطبـعِ الغبيِّ محيـلا

فلرُبَّ قولٍ في الرجالِ سمعتُـمُ    ثم انقضى فكأنـَّه ما قيـلا

ولكَمْ نصرتم بالكرامـة والـهوى    من كان عندكم هو المخـذولا

كَـرَمٌ وصَفْحٌ في الشبـابِ وطالمـا    كَرُمَ الشبابُ شمائلًا وميـولا

قوموا اجمعوا شُعَبِ الأُبُوَّةِ وارفعوا    صوتَ الشبابِ مُحبَّبًا مقبولا

أدّوا إلى العـرشِ التحيّةَ واجعلـوا    للخالقِ التكبيرَ والتهليـلا

ما أبعـدَ الغايـاتِ إلاّ أنَّنـي    أجِدُ الثباتَ لكم بهنَّ كفيـلا

فكِلُوا إلى اللهِ النجـاحَ وثابـروا    فاللهُ خيرٌ كافلًا ووكيـلا

أشعار عن العلم

تناول كثير من الشعراء موضوع العلم في قصائدهم، وكثيرًا ما نجدُ قصيدة عن العلم عند كلِّ شاعرٍ، أو بعض الأبيات التي تمدحُ العلم وتحثُّ المجتمع على الاهتمام بالعلم أكثر للارتقاء بالأمَّة إلى أعلى المستويات، وقد ورد في الشعر العربي قديمًا وحديثًا كثير من الأشعار عن العلم، فهذا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يقول في قصيدة عن العلم: 3)

العلمُ زين فكُن للعلمِ مُكتسبًا    وكُن له طالبًا ما عشتَ مُقتبِسا

اركنْ إليه وثقْ بالله واغنَ به    وكُن حليمًا رزينَ العقلِ مُحترسا

وكُن فتًى ماسكًا محْضَ التقى ورعًا    للدِّين مُغتنمًا للعلم مُفترسا

فمَن تخلَّق بالآداب ظلَّ بها    رئيسَ قومٍ إذا ما فارق الرؤسَا

وللإمام الشافعي أيضًا الكثير من الأشعار في الحديث عن العلم،

فله قصيدة عن العلم يقول فيها -رحمه الله-: 4)

العلمُ مغرَسُ كلِّ فخرٍ فافْتَخرْ    واحذَرْ يفُوتُكَ فخْرُ ذاكَ المغْرَسِ

فلعَلَّ يومًا إنْ حضرَتَ بمجلِسٍ    كنتَ الرَّئيسَ وفَخرَ ذاكَ المجلِسِ

ويقولُ أحدُ الشعراء أيضًا:

العِلْم يبنِي بيُوتًا لا عمادَ لهَا    والجهْلُ يفنِي بيُوتَ العزِّ والكرَمِ

وللشاعر معروف الرصافي كان له نصيب في قصيدة عن العلم يقول فيها: 5)

إِذا مَا العِلمُ لابَسَ حُسنَ خلقٍ    فرجِّ لأهلِه خيرًا كثِيرا

وما إِنْ فازَ أكثرُنا علُومًا    ولكِن فازَ أسلَمنا ضَميرا

ويقول أيضًا:

وليسَ الغِنَى إِلا غنَى العِلم إِنَّه    لنور الفتى يجلُو ظلامَ افتقارهِ

ولا تحسَبنَّ العِلمَ في النَّاسِ مُنجيًا    إِذا نكبَت أخلاقُهم عَن مَنارهِ

وما العِلمُ إِلا النُّورُ يجلُو دجًى العمَى    ولكنْ تزيغُ العينُ عندَ انكسارهِ

فمَا فاسدُ الأخلَاقِ بالعِلمِ مفلحًا    وإِنْ كانَ بحرًا زاخرًا من بِحارهِ

ولجميل صدقي الزهاوي العديد من الأبيات في ذلك، حيث يقول أيضًا في قصيدة عن العلم: 6)

إذا مَا أقَامَ العِلمُ رَايةَ أمَّةٍ    فليسَ لهَا حتَّى القِيامةِ نَاكِسُ

تنَامُ بأمنٍ أمةٌ مِلءَ جَفنِها    لها العلمُ إِنْ لم يَسهرِ السَّيفُ حَارسُ

وهناك قصيدة في العلم رائعة أيضًا للشاعر الكبير جبران خليل جبران، يقول في مطلعها: 7)

بالعِلمِ يدرِكُ أقصى المجدِ منْ أَمَمٍ    ولا رقِيَّ بغيْرِ العلْمِ للأُممِ

يا منْ دعاهُمْ فلبَّتهُ عوارفُهُمْ    لجودِكُمْ منْهُ شكرُ الرَّوضِ للدِّيمِ

يحظَى أولُو البَذلِ إنْ تحسُنْ مقاصِدُهُم    بِالباقِيات مِن الآلاءِ والنِّعمِ

فَإِن تجدْ كرَمًا في غيرِ محمدَةٍ    فقَد تكُونُ أداةُ الموْتِ في الكَرمِ

معاهِدُ العلمِ منْ يسخُو فيعمرُهَا    يبنِي مدارجَ للمستَقْبلِ السَّنمِ

وواضِعٍ حجَرًا في أسٍّ مدرَسَةٍ    أبقَى علَى قومِهِ منْ شائِدِ الهرَمِ

شتَّانَ ما بينَ بيتٍ تستَجَدُّ بهِ    قوَى الشُّعوبِ وبَيتٍ صائِنِ الرِّممِ

السابق
أحمد شوقي وقصيدة “في وصف النيل”
التالي
نزار قباني في وصف غرناطة

اترك تعليقاً