يجب على كل المسلمين السيرعلى نهج وسنه الرسل والأنبياء والشخصيات الإسلامية الجيدة واتخاذ القرآن الكريم منهجا.
هجرة المسلمين إلى الحبشة
أرضُ الحبشة كانت الملاذَ الآمن للمسلمين الأوائل في صدر الإسلام عندما ضاقت بهم مكة ذرعًا؛ بسبب إيمانهم بالله -تعالى- ونبذهم عبادة الأصنام؛ فانطلقت الدفعة الأولى من المهاجرين في السنة الخامسة من البِعثة حيث طاب لهم المُقام في تلك الأرض في ظل ملكها النجاشي الذي أكرمهم وأحسن وفادتهم، ثمّ تليها الدفعة الثانية من المهاجرين بعددٍ أكبر طلبًا للأمن والحماية في أرض الحبشة بتوجيهٍ من النبي -صلى الله عليه وسلم- هربًا من أذى قريشٍ المتزايد يومًا بعد يومٍ خاصةً وأنهم سيكونون في حِمى ملكٍ اشتُهر بالعدل والصلاح ورجاحة العقل، وفي هذا المقال سيتم التعرف على قصة إسلام النجاشي.
النجاشي
هو أصحمة بن أبجر أو أبهر واحدٌ من أباطرة مملكة أكسوم التي حكمت الحبشة وما حولها لعقودٍ طويلةٍ، أما النجاشي فهو اللقب الذي كان يُطلق على أباطرة الحبشة، تولى حكم مملكة أكسوم وهو ابن تسع سنينٍ بعد وفاة عمه وفي سنوات حكمه نشر العدل والمساواة بين الناس حتى ذاع صيته فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في حقه: “ملكٌ لا يُظلم عنده أحدٌ” ولهذا السبب كان اختيارُ النبيّ -عليه السلام- أرض الحبشة ملاذًا لأصحابه من أذى قريش فكانت الهجرتين الأولى والثانية إليها، وكان النجاشي يدين بالديانة النصرانية عندما قَدِم إليهم المسلمون مهاجرين، واليوم ما زالت قرية النجاشي في دولة أثيوبيا معلمًا تاريخيًا مهمًا تضمّ بين جنباتها مسجده وقبره الذي يقصده الزوار طلبًا للتبرك من الأرجاء كافة.
قصة إسلام النجاشي
وصلت الدفعة الثانية من المهاجرين إلى الحبشة وعددهم يربو عن المائة بعدَ معاناةٍ طويلةٍ في الطريق؛ بسبب تربص قريشٍ بهم عندها أرسلت قريش في طلبَهم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة وكانا معروفين بالذكاء والدهاء، فوصلا الحبشة وتواصلا مع الأساقفة وقدما لهم الهدايا لضمان موافقتهم وتأييدهم على مطلبهم بتسليم المهاجرين أمام الملك.
دخلَ رَسولا قريشٍ على الملك النجاشي، وطلبا منه تسليم المهاجرين بعد نعتهم بالغلمان السفهاء الذين خرجوا عن دين قومهم وأتوا بدينٍ جديدٍ لا يعرفه أحدٌ، وأيّد البطارقة والأساقفة مطلب الرسولين، لكن النجاشي المعروف بالفطنة والعدالة رفض مطلبهم إلا بعد الاستماع إلى ردّ المهاجرين وتكلم نيابةً عنهم جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- وقال مخاطبًا الملك: “أيها الملك كنا قومًا أهل جاهليةٍ نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولًا منّا، نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنُوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فعدد عليه أمور الإسلام، ثم قال: وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم، والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، فصدقناه وآمنا واتبعناه على ما جاء به من الله -تعالى-؛ فعبدنا الله تعالى وحده، ولم نشرك به شيئاً وحرّمنا ما حرّم الله علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا، وظلمونا، وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك.
وعندما سمعَ النجاشي كلام جعفر -رضي الله عنه- طلب منه أن يقرأ عليه شيئًا من القرآن الكريم؛ فقرأ عليه سورة مريم من بدايتها حتى وصل إلى قوله تعالى:(فَحَمَلَتهُ فَانتَبَذَت بِهِ مَكانًا قَصِيًّا) حينها بكى النجاشي حتى ابتلّت لحيته وبكى معه الأساقفة والبطارقة وقال: “إنّ هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاةٍ واحدة” ثم رفض تسليم المهاجرين إلى عمرو بن العاص.
عاد عمرو بن العاص في اليوم التالي إلى النجاشي متذرِّعًا بأنّ المسلمين يقولون قولًا عظيمًا في حقّ عيسى -عليه السلام- كوّن الملك النجاشي على النصرانية؛ فطلب الملك مُثول المهاجرين بين يديه لسؤالهم عن مقولتهم في عيسى -عليه السلام- فتكلّم جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- نيابةً عنهم وقال: “هو عبد الله، ورسوله، وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول”، وعندما سمع النجاشي هذا الكلام أقرّ بأنه متوافقٌ مع ما جاء به عيسى -عليه السلام- وأعطى الأمان للمهاجرين بالعيش في كنفه، وأمر برد هدايا قريش وعودة رسوليها خائبين، ثم أسلم النجاشي بعد ذلك على يد جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- هو وأهل بيته لكنه بقي مخفيًا إسلامه عن قومه لإصرارهم على البقاء على دينهم؛ فكانت تلك قصة إسلام النجاشي أول الملوك إسلامًا من غير العرب.
تُوفي النجاشي في السنة التاسعة من الهجرة، وقد نَعاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: “مات اليوم رجلٌ صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة” ثمّ خرج بأصحابه وصلّى بهم صلاةَ الغائب على النجاشيّ.