قصيدة أراك عصي الدمع
من اشعار أبو فراس الحمداني
السيرة الذاتية لأبو فراس الحمداني
من أجمل ما تغنت به أم كلثوم وهي قصيدة “أراك عصي الدمع” للشاعر أبو فراس الحمداني.
أبو فراس الحمداني
اسمه الحارثُ بن سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني، وكُنيتُهُ أبو فراس،
وُلدَ في الموصل سنة 320 هـ، عاش طفولةً يتيمةً بعد أن اغتيلَ والده وهو صغير على يد ابن أخيه
بسب طُموحه السياسيّ، لكنّ سيف الدولة قام برعاية أبي فراس حتى شدّ عوده،
استقرّ أبو فراس في بلاد الحمدانيين في حلب، درس الأدب والفروسيّة،
ثم تولّى منبج وأخذ يرصد تحرّكات الروم، لكنه وقع مرتين في أسر الروم،
وطال به الأسر حتى وهو أمير وفي النهاية تم تحريره، وفي سجنه نظَم الروميات،
وهي من أروع الشعر الإنساني وأصدقه، وقُتل في 375 هـ في موقعة بينه وبين ابن أخته أبو المعالي
بن سيف الدولة وفي هذا المقال سيتم شرح قصيدته المعروفه أراك عصي الدمع. 1)
شرح قصيدة أراك عصي الدمع
قصيدة أراك عصي الدمع نشأت من الألم والمعاناة، حيثُ السجن والوحده
فقد كانت هذه القصيدة شِفرة أرسلها لأُمه لِتبلّغها أمير البلاد آنذاك سيف الدولة الحمدانى
علَّ الأبيات تستحثُه سرعة فَكِّ أسرِه من قبضةِ الأَعداء، قبل فواتِ الأوان وبدايتها تقول: 2)
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمر؟
بلى أنا مشتاقٌ وعندي لوعةٌ ولكنّ مثلي لا يُذاع له سِر!
إذا الّليل أضواني بسطتُ يد الهوى وأذللتُ دمعًا من خلائقه الكِبر
يخاطب الشاعر نفسه متعجّبًا من مدى صبرِه وجَلده على سُلطان الحب،
فهو لا يبكي كعادةِ أهل الهوى، فدمعُه يَقف له سندًا فيمتنعُ عن الترقرُقِ،
ويعترفُ أيضًا بأنه يَحتفظُ بِكل مظاهرِ حُبه واشتياقه في صدره لكنّ نفس الشاعر تأبى الخُضوع لأمرِ الهَوى،
فهو يملك القدرةَ على التحمّل وإِخفاء المشاعِر، لكن سُرعان ما تَتَدخلُ عَواملُ
ومُؤثرات تُضعف نفس الشاعر، وإذا حلّ الليل عليه، جاءت إليه الذكريات وبسط الهوى جبروته
على قلبه، فيبكي بِحُرقة، لكنه لا يُظهر بُكاءه للناس.
تَكادُ تُضِيءُ النّارُ بينَ جَوَانِحِي إذا هيَ أذكَتها الصّبابَة والفكرُ
مُعلّلتي بالوَصلِ ، والموتُ دونهُ إذا مِتّ ظَمآنًا فَلا نَزل القَطرُ!
حفظتُ وَضَيّعتِ الموَدةَ بيننا وأحسَنُ مِن بَعضِ الوَفاءِ لَك العُذر
لقد وَصلت شِدةُ الوجدِ والشوقِ إلى الديار والمحبوبة بالشاعر إلى درجة أنها نار أحرقت فؤاده وجوانحه،
لكن مكانة الشّاعر واعتِزازه بِنفسِه تَجعله يَتجرعُ هذه المَرارة بِصمتٍ ويكتمها في قلبه،
إنه صراعٌ بين الكِبرياء والعاطفة، كبرياء دونه الموت أنفةً وصبرًا، وعاطفة تتّقدُ نارًا حارقة،
وبين نار شوقِ الّلقاء و مخافة إدراك الموت للشاعر وحرمانه من وصل المحبوبة،
يدعو على كلّ أهل الهوى والعشقِ بنفسِ المَصير، ويقولُ لها حفظت أنا المودةَ حين غدرتِني
ولكنْ بعض الغدر أفضل من الوفاء عندي.
بَدوتُ وأهلي حَاضرونَ لأنّنَي أرى دارًا لست من أهلها قفر
وحاربتُ قَومي في هَواكِ وإنهم وإيّايَّ لولا حُبكِ الماءُ والخَمر
فإن كَانَ ما قال الوُشاةُ ولَم يَكُن فَقد يَهدِمُ الإيمانُ ما شيَّد الكُفرُ
وَفيتُ وفي بعضِ الوَفاءِ مذلّةُ لآنسةٍ في الحيّ شِيمتُها الغَدرُ
ويُكمِل كلامه لها حيث يقول إنّه أتى مِن حيثُ تَسكُن الحبيبةُ والأهل مُقيمون في الحضر،
لكنّه يَرى الدّار التي ليست بها أرضًا لا ماءَ فيها ولا كَلأ، وحاربت القوم لأجل حُبك وإنه لولا حبي
لكِ لامتزجت مَعهم كَما تمتزجُ الماء والخَمرُ، ثُمَّ يضمن كلامه لها بذكر الوشاةِ الذين يقولون
بأنه وفيّ لإنسانةً مِن شِيمها الغدر فَيردّ بأنّ الحُب الصادق يهدم ما يقوله الوشاة،
وإذا قالوا بأني وفيتُ لإنسانة كهذه فالوفاء في هذه الحالة مذلّة.
تُسائِلني مَن أنتَ وهي عَليمةٌ وهل بِفتىً مثليَ عَلى حاله نُكر
فقلتُ كَما شَاءت وشاءَ لها الهَوى قَتيلُكِ قالت أيُهم فَهم كُثرُ
فقالت لقد أزرَى بكَ الدَهرُ بَعدنا فَقلتُ مَعاذَ الله بل أنتِ لا الدَّهر
تتجاهلُه المحبوبه وتسألُه من أنت؟ وهي تعلم، وهل بشخص في مِثلِ حَالي من الّلوعة
يَجهلُ ولا يعرف! فأجبتُها وكأنني لا أعلم بِعلمها قتيلك! فردّت بِكلّ سُخرية واستنكار أيُهم أنت فهُم كُثر،
فأخبَرها أنّه لِم تُتعبي نفسك بالسؤال وأنتِ تعلمي ما الحال وما الخبر،
ثم جعلت تقول له بأن الدهر حقّركَ وأضعفك وأمرضَك فردّ بَل أنت لا الدّهر.
أغنية أراك عصي الدمع
أغنية أراك عصي الدمع ذَاع صيتُها في كلّ الأنحاء فهي القصيدةُ التي عُرف بها أبو فِراس الحَمداني
ولحّنها الكثير من المُحلنين وغنّاها الكثيرون أيضا، لكن ما غنته أم كلثوم رَسخ في القُلوب
قبل العقول فقد غَنتها أَكثرَ مِن مَره بألحانٍ مُختلفه، المرّه الأولى عام 1926 من ألحان عبده الحامولي
بمقام بياتي رغم أنه لم يُلحنها لأم كلثوم بل لَحنها للشيخ أبو العُلا محمد لكنه بدوره سمح لأم كلثوم بغناءها،
وبعد النجاح الباهر للاغنية وبعد ثماني عشر عامًا طلبت من زكريّا أحمد أن يُلحنَها فلحنها بِمقام سيكاه
وغنتها لكن ولسبب ما لم تُسجل على اسطوانات، أما المرةُ الثالثة فكانت عامَ 1964 من ألحان السنباطي
بمقام الكرد، حيث كانت بألحان أكثر حداثة وكلاسيكية وأُضيف إلى القصيدة ثلاث أبيات
لم تكن في النص الذي لحنه عبده الحامولي.
على الرغم من أن عبده الحامولي قد وضع لحنًا لقصيدة “أراك عصي الدمع” للشاعر العباسي أبو فراس الحمداني،
ورده غير مرة وتناقله عنه الشيخ أبو العُلا محمد، إلَّا أنه استطاع أن يمسك القصيدة في لحن ثابت
غير مُرتجل غير أن الشيخ أبو العلا محمد كان قد استحدث نمطًا ثابتًا في تلحين القصيدة،
قلّما يجنح فيه إلى التعبير عن الكلمة أو المعنى، بالقدر الكافي، وقلّما ينوع في الإيقاعات والمقامات،
وكثيرًا ما تخلو ألحانه من الإضافات الموسيقية، كالمقدمة واللازمة والوصلات.
وقد لحنها وغنّاها الكثير من الفنانيين قديمًا وحديثًا، أبرزهم زكي مراد وقد غناها بألحان الحامولي،
والمطرب عبد الحي حلمي، والمُطرب العراقي ناظم الغزالي الذي اشتهر ببراعته في أداء فن
القصيدة والمطرب السوري صباح فخري الذي يعد أحد أبرز من غنى القصائد، غناها أيضا الفنان عبد الكريم الكابلي.