الحجر الاسود هو الحجر الذي يبداء منه الطواف وينتهي عنده ويحاول الحجاج ان يقبلوا الحجر الاسود
الحجر الأسود رمزٌ لا عِبادة
يُمثِّل الحجر الأسود من حيث كونه جزءاً من الكعبة المُشرَّفة النُّقطة التي يبدأ منها الطّواف وبها ينتهي، ممّا يعني وجود قيمةٍ خاصّةٍ له، وقد أخذ المُسلمون ذلك النُّسك الخاصّ بالبدء بالحجر الأسود في الطّواف من فعل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، كما يُشرَع لمن طاف بالبيت أن يبتدئ بتقبيل الحجر الأسود إذا أمكنه ذلك، وكلّما مرّ به في بداية كلّ شوطٍ من أشواط الطّواف التزمه بالتقبيل إن تمكّن؛ لفِعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فما هو سرُّ تلك القيمة للحجر الأسود، وما حُكم تقبيله، وما قصّته وقصة إضافته إلى الكعبة، أم أنّه كان فيها منذ القِدم؟ ذلك ما سيتمّ بيانه في هذه المقالة.
الحجر الأسود
الحجر الأسود هو جزء من أركان الكعبة المُشرَّفة الأربعة، يُحاذي في موقعه الرُّكن اليمانيّ؛ حيث يقع في النّاحية الشرقيّة منه، والحجر الأسود مُكوَّنٌ من خمسة عشر حجراً مُقسَّمةً على أقسام؛ منها الصّغيرة جدّاً، أمّا أكبرها فيبلغ حجمه حجم حبّة تمر، وتظهر من هذه الأحجار للعيان ثمانية أحجارٍ فقط، أمّا بقيّة الأحجار السّبع، فقيل: إنّها تدخل في بناء الكعبة المُشرّفة، وقيل: بل هي مُغطّاة بمادّةٍ من المعجون المُكوَّن من العنبر الممزوج بالشّمع والمِسك، وتقع تلك الأحجار أعلى الحجر الأسود؛ حيث يُمكن للذي يقصد البيت بغيةَ الطّواف به سواءً كان حاجّاً أو مُعتمِراً رؤيتُها عند تقبيله الحجر.[١]
يبلغ ارتفاع الحجر الأسود عن سطح الأرض ما يُقارب المتر ونصف المتر، والحجر الأسود هو من أحجار الجنّة وياقوتها، كان لونه قبل أن ينزل إلى الأرض أبيض مُتلألِئاً، فطمس الله نورَه، وقد ثبت ذلك من حديث النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الذي يرويه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ الحِجرَ والمقامَ ياقوتتانِ من ياقوتِ الجنةِ، طمس اللهُ نورَهما، ولولا ذلك لأضاءَا ما بينَ المشرقِ والمغربِ)،[٢] ممّا يدلُّ على أهميّة الحجر الأسود وقيمته ومكانته في الإسلام، وسبب بدء المُعتمر والحاجّ وغيرهما من زُوّار بيت الله بالطّواف به.[١]
قصّة الحجر الأسود
أصل الحجر الأسود
يعود أصل الحجر الأسود وموطنه الأصليّ إلى الجنّة؛ فقد كان من حجارتها ثمّ نزل إلى الأرض، فقد رُوِي أنّه لما شرع سيّدنا إبراهيم -عليه السلّام- ببناء الكعبة المُشرَّفة، جاءه به جبريل من السّماء؛ ليوضَع في موضعه من البيت حسبما اقتضت مشيئة الله، وقيل: بل جاء به جبريل من الهند حيث كان آدم قد أنزله من الجنّة لمّا أُهبِط منها؛ حيث يروي موسى بن هارون عن عمرو بن حماد قال: حدّثنا أسباط، عن السديّ قال: (فانطلق إبراهيم حتّى أتى مكّة، فقام هو وإسماعيل وأخذا المعاول، لا يدريان أين البيت، فبعث الله ريحاً يُقال لها ريح الخجوج، لها جناحان ورأس في صورة حيّة، فكنست لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأوّل، واتبعاها بالمعاول يحفران، حتّى وضعا الأساس، فذلك حين يقول: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ)،[٣] فلمّا بنَيا القواعد فبلغا مكان الرّكن، قال إبراهيم لإسماعيل: يا بنيّ، اطلب لي حجراً حسناً أضعه هاهُنا، قال: يا أبتِ، إنّي كسلان تعِب، قال: عليّ بذلك، فانطلق فطلب له حجراً فجاءه بحجر، فلم يرضَه، فقال: ائْتِني بحجر أحسنَ من هذا، فانطلق يطلب له حجراً، وجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند، وكان أبيض، ياقوتةً بيضاءَ مثل الثّغامة، وكان آدم هبط به من الجنّة فاسودّ من خطايا النّاس، فجاءَه إسماعيل بحجرٍ فوجدَه عند الرّكن، فقال: يا أبتِ، مَن جاءك بهذا؟ فقال: مَن هو أنشط منك! فبَنياه).[٤]
كما رُوِي عن خالد بن عرعرة أنّ رجلاً قام إلى عليّ، فقال: (ألا تُخبِرُني عن البيت؟ أهُوَ أوّل بيت وُضِع في الأرض؟ فقال: لا، ولكن هو أوّل بيت وُضع فيه البركة، مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمناً، وإن شِئْت أنبأتُك كيف بُنِي: إن الله أوحى إلى إبراهيم أن ابنِ لي بيتاً في الأرض، قال: فضاق إبراهيم بذلك ذرعاً، فأرسل الله السّكينة ولها رأسان، فأتبع أحدهما صاحبه حتّى انتهت إلى مكّة، فتطوّت على موضع البيت كتطوّي الحجفة، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقرّ السكينة، فبنى إبراهيم وبقي حجر، فذهب الغلام يبغي شيئًا، فقال إبراهيم: لا! ابغني حجراً كما آمرك، قال: فانطلق الغلام يلتمس له حجراً، فأتاه فوجده قد ركّب الحجر الأسود في مكانه، فقال: يا أبتِ، من أتاكَ بهذا الحجر؟ قال: أتاني به من لم يتّكل على بنائك، جاء به جبريل من السّماء، فأتمّاه).[٤]
أحداثٌ عصَفَت بالحجر الأسود
تعرّض الحجر الأسود للعديد من المُحاولات الخبيثة التي هدفت إلى سرقته، وانتزاعه من الكعبة المُشرَّفة، ونقله إلى أماكن أخرى؛ طمعاً بمعدنه النّفيس، وتشكيلته الفريدة، ومواصفاته التي لا مثيل لها على وجه الأرض، لكنّ قُدرة الله وحِكمته حالت دونَ ذلك في تلك المحاولات جميعها، ومن الأحداث التي مرّت بالحجر الأسود ما يأتي:[١]
- نهْبُ الحجر الأسود: وكان ذلك من قبل عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهميّ؛ فقد رُوِي أنّه عندما أُخرِجَت قبيلة جرهم من مكّة، عمَد عمرو بن الحارث الجرهميّ إلى الكعبة، فانتزع الحجر الأسود من مكانه، ثمّ دفنه في المنطقة التي فيها بئر زمزم، وشاءت حكمة الله أن تُشاهد امرأة من قوم خزاعة ما صنع عمرو بن الحارث، فأبلغت الناس بذلك، وأرشدتهم إلى المكان الذي دُفِن فيه، فأعادوه إلى موضعه في الكعبة.
- هجوم تُبَّع للكعبة: فقد حصل في الجاهليّة أن هاجم تُبَّع الكعبة المُشرَّفة بغيةَ نقل الحجر الأسود من مكانه، وقد حاول ذلك فعلاً إلا أنّ خويلد والد السيّدة خديجة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- واجهه هو وجماعةٌ من رجالات مكّة، وحالوا دون تحقيق مقصد تُبَّع، فعاد خائباً إلى بلاده وردَّ الله كيده إلى نَحره.
- حريق الكعبة: فقد حدث في وقت حياة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وقبل مبعثه أن أصاب الكعبة حريقٌ عظيم، ممّا أضعف قوّة حجاراتها، وأوْهن قوّة بُنيانها، وتشاورت قريش في هدمها وإعادة بنائها من جديد، واحتارت في ذلك، وهل سيعود ما يُخطِّطون له من هَدم الكعبة عليهم بالضَّرر، حتّى جاءهم الوليد بن مغيرة وكان من حكماء العرب، فاقتلع حجراً منها كإشارةٍ إلى أنّ ذلك لن يُؤثّر فيهم، فعمدوا إليها فهدموها، وأعادوا ترميمها، ووضعوا الحجر الأسود في موضعه، وقد ثبت أنَّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد شارك قريش في نقل الحجر الأسود، ووضعه في موضعه، بعد أن اختلفوا على من سيضعه في مكانه، ثمّ رأوا أن يُحكِّموا بينهم أوّل مَن يدخل عليهم، فكان أوّل داخلٍ هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأشار عليهم بأن يضعوا الحجر الأسود في ثوبٍ، ثمّ يُمسك كلّ شيخ قبيلةٍ أحد أطراف الثّوب، فقاموا بذلك.
- قصّة القرامطة مع الحجر الأسود: إذ تعرّض الحجر الأسود إلى هجوم القرامطة بعد أن هاجم حاكم القرامطة أبو طاهر القرمطي الكعبة، وسرق الحجر الأسود منها، فغاب حينها الحجر الأسود عنده مدّة اثنتَين وعشرين سنةً، وكان ذلك في سنة 312هـ؛ حيث أخفاه القرامطة حينها في منطقة تُدعى قرية الجش، وأمروا أهل القطيف بالحجّ إلى تلك المنطقة، إلا أنّهم رفضوا ذلك فقتلوهم، وفي عام 339هـ أُعيد الحجر الأسود إلى الكعبة المُشرَّفة.
- احتراق الكعبة وتضرّرها في عهد عبد الله بن الزّبير: تحصّن عبد الله بن الزّبير بالكعبة عندما هاجمه الحصين بن النّمير قائد جُند يزيد، فرمى الحصين الكعبة بالمنجنيق، فشبّت بها النّار، وقد رصّع عبد الله بن الزّبير -رضي الله عنه- الحجر الأسود بقلادة؛ لتحفظه وتصونه من التّلف والضّياع، وقد تكرّرت الحادثة نفسها في زمن الحجّاج سنة 73هـ وعلى يده، ثمّ أضاف الخليفة العباسيّ هارون الرّشيد إلى الحجر الأسود تنقيبه بالماس، وأفرغ عليه الفضّة.
- أخذ عينة من الحجر الأسود: أُجرِيت في العصر الحديث عدّة بحوث على الحجر الأسود؛ حيث أُخِذت منه عينة، ثمّ أُضِيف إليها المسك والعنبر، ثمّ وضع الملك عبد العزيز -رحمه الله- بعد ذلك القطعة التي أُخِذت منها العينة في مكانها.
حُكم تقبيل الحجر الأسود
يُشرَع للحاجّ والمعتمر استلام الحجر الأسود وتقبيله أثناء الطّواف بالكعبة، والذي ينبغي على المسلم في ذلك أن يتيقّن ويعتقد اعتقاداً جازماً أنّ الحجر الأسود لا يعدو كونه مجرّد حجرٍ لا يضُرّ ولا ينفع، إنّما جرى العُرف على تقبيله بناءً على فعل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وإرشاده إلى ذلك،[٥] ولا أبلغ ولا أروع من قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أثناء العُمرة، عندما قال: (إنّي لأعلمُ أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أنّي رأيتُ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يُقَبِّلُك، ما قَبَّلْتُك).[٦]