مي زيادة / فراشة الأدب
المقدمة: –
تعتبر مي زيادة في عصرها الاولي التي تفوقت في مجال الادب والتي لقبت بفراشة الادب علي المجتمع العربي كله
وكانت تتميز بجمالها ولباقتها و فكرها الناضج وثقافتها العربية المتميزة، لم تشبه أبداً سابقاتها
أو حتى من لحقها في الساحة الأدبية النسوية المعاصرة، لقد مثلت نقطة تحول كبري في الساحة الفكرية العربية ،
فقد قدمت بأسلوبها الجميل والمتميز الفكرة الناضجة والثقافة العربية الرفيعة واستطاعت في زمانها ،
أن تجمع الفكر في أدبها والذي كان للأسف في عزلة نوعا ما عن الحياة الأدبية ،
لقد كانت بمثابة انطلاقة لعصر جديد يقطع مع أزمنة الانحطاط الأدبي وأنهت تلك الهوة الواسعة المظلمة الممتدة
لقرون في تاريخنا العربي باسترجاع دور المرأة العربية الريادي بعد أن غابت وغيّبت عن كثير من المجالات
وليس الساحة الأدبية فقط بل حتى المجال الفكري والسياسي، و خلال هذا المقال سنوضح نحن فريق شبكة مقالة من هي مي زيادة / فراشة الأدب.
اولاً:- مي زيادة
عندما اتحدث عن مي زيادة دعوني أولا اعطيكم نبذة مختصرة عن مي زيادة توضح من هي مي زيادة، ومي زيادة،
مؤلفة ومترجمة فلسطينية لبنانية، نحت الأدب شخصيتها وأبرز مواهبها، من مواليد عام 1886، ومن طليعة “الحركة النسوية” في العالم العربي،
سلبت قلوب الرجال وهام بها الشعراء، ولكنها تعلقت بجبران خليل جبران، وعاشت آخر أيامها حبيسة وحيدة حتى ودعت الحياة عام 1941،
اشتهرت بقلمها السيّال، وزاحمت كبار الكتاب المصريين في زمن النهضة، وفتحت صالونا ثقافيا في منزلها يتسامر فيه الأدباء،
ويتبادلون لآلئ القريض وجميل الكلم. سلبت قلوب الرجال، وهام بها الشعراء، ولكنها تعلقت بجبران خليل جبران، وعاشت من دون زواج.
نسب مي زيادة :
ولدت ماري إلياس زيادة في 11 فبراير/شباط 1886 في مدينة الناصرة بفلسطين، واشتهرت باسم “مي زيادة” الذي اختارته لنفسها،
لما له من رمزية في الأدب العربي، والدها إلياس زيادة كان معلما في الناصرة،
وهو ماروني (الموارنة أو المارونيين طائفة من النصارى تسكن ساحل الشام)،
وأمها نزهة خليل معمّر فلسطينية من أصل سوري أرثوذكسية المذهب، كانت ماري وحيدة أسرتها؛ إذ مات أخوها في طفولته،
وتربت في محيط يؤمن بتنوع المذاهب واختلاف المعتقدات والأيديولوجيات، ويجمع بينه قاسم الثقافة والشغف بالتعليم؛
فنشأت على منادمة الكتب والتعلق بالأدب.
تعليم مي زيادة :
تلقت ماري إلياس دراستها الأساسية في الناصرة، قبل أن تنتقل إلى لبنان وتواصل في قرية “عينطورة” دراستها الثانوية في مدرسة الراهبات،
وفي 1916 انتقلت إلى مصر ودرست الأدب والتاريخ الإسلامي في كلية الآداب بجامعة القاهرة، ولكنها لم تكمل دراستها الجامعية،
إذ انشغلت بالتأليف والكتابة والأنشطة الثقافية، وفي بداية طفولتها، وأثناء تعليمها الأساسي أتقنت اللغة الفرنسية،
وتابعت في القاهرة تعلم اللغات الإنجليزية والإيطالية والألمانية والإسبانية والرومانية والسريانية وكانت محبة للكتب والقراءة والثقافة وهذا ما كان يميزها لما لها من أسلوب مميز.
ثانياً:- مي زيادة وجبران
نجحت مي زيادة في خلق ديناميكية كبرى في أدبها، حيث جمعت عندها كثير من التيارات الغربية الشرقية،
وساعدها إتقان سبعة لغات في ذلك ومكّنها من الاطلاع الجيّد على أصناف كثيرة من آداب الحضارات الغربية
وهنا تكمن خصائص أدبها حيث وضعت لمساتها الساحرة وأنتجت أدبا عربيا بروح وملامح شرقية ومنفتحا على الآداب الغربية،
لم يزد اطلاع مي زيادة على الثقافات الغربية إلا اتصالا بثقافتها العربية والمحافظة على أصالتها ،
فكان هذا من أبرز أسرار بروز ونبوغ أدبها الذي مضت به في الحياة الأدبية صاعدة إلى قماتها ورونقها.
انتقال مي زيادة الى مصر :-
مي زيادة انتقلت إلى مصر سنة 1907م، أقامت في العاصمة القاهرة، حيث عملت بتدريس الُلغتين الفرنسية والإنجليزية،
وقامت بِدراسة الألمانية والإسبانية والإيطالية، وفي الوَقت ذاته، بَذلت الجُهد في إتقان اللُّغة العَربية والتعبير بها وفيما بعد،
تابعت في جامعة القاهرة دراسة الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة. بعد أن تخرجت من كلية الآداب في القاهرة،
وُلدت فكرة مي بإنشاء صالونها الأدبي الخاص، وعقده كل ثلاثاء من كل أسبوع وقد امتازت بسعة الأفق ودقة الشعور وجمال اللغة،
مي زيادة “ذلك الحصن المحاط بخندق” هكذا وصفها الأديب الراحل عباس العقاد،
وكان أحد الأربعة الذين أسرت قلوبهم أحمد شوقي والرافعي وجبران خليل جبران، لكن قلبها لم يخفق سوى لشخص واحد الشاعر
والكاتب اللبناني جبران خليل جبران، رغم أنهما لم يلتقيا سوي مرة واحدة، ولكن دامت بينهها المراسلات لمدة عشرين عام،
فقد كان الرجل الوحيد الذي بادلته حبا روحيًا عذريًا، فلا يسعنا سوى الغرق بين سطور كتبها ليصيبنا نهم كبير،
ونقلب الصفحات واحدة تلو الأخرى لنرى الرومنسية الفائضة التي تغنت بها برسائلها لجبرن خليل جبران.
ثالثاً:-مي زيادة والعقاد
مي تؤمن بالحب العفيف الذي يرتفع عن رغبات الجسد ويسمو إلى عالم الروحانيات وصداقة الفكر وكان عباس العقاد من أكثر الشخصيات
وضوحًا في مشاعره تجاه «مي» وكان شديد الغيرة عليها، رغم أن مي لم تكن تبادله نفس المشاعر، بل كانت مذبذبة،
حتى ذهب قلبها إلى رجل أخر وهو «جبران خليل جبران»، فكتب العقاد يقول لها،
«كانا يتناولان من الحب كل ما يتناوله العاشقان على مسرح التمثيل ولا يزيدان،
وكان يغازلها فتومئ إليه بإصبعها كالمنذرة المتوعدة، فإذا نظر إلى عينيها لم يدر، أتستزيد أم تنهاه،
لكنه يدرى أن الزيادة ترتفع بالنغمة إلى مقام النشوز، صالونها مُلتقى أدباء وعمالقة الفكر في عصرها.
مي زيادة مثقفة :
هي مثقفة من طراز فريد تُجيد العديد من اللغات وتصل قامتها الأدبية إلى قامات كبار رجال الفكر في عصرها،
كان الكاتب المفكر عباس محمود العقاد لا ينكر حبه لمي، وقد لمح له كثيرًا وأعطى مي زيادة اسمًا مستعارًا وهو هند،
وعرفها العقاد في البداية عن طريق مقالاتها في الصحف ثم من كتبها، وبدأت علاقتهما بالخطابات هو من أسوان بلدته التي يقيم بها قبل استقراره
في القاهرة، وهي من القاهرة حيث استوطنت مصر بعد قدومها من لبنان بصحبة والديها،
عندما عاد العقاد من أسوان سارع بزيارة مي يملؤه الشوق والحنين إلى تلك الشخصية التي فتنته قبل أن يراها،
لكن حب العقاد كان مختلفًا عن حب مي زيادة، فالعقاد كان يؤمن بطوفان المشاعر وتوحد الحبيبين نفسًا وروحًا وجسدًا.
رابعاً:- جبران خليل جبران ومي زيادة
عرف كل من مي زيادة وجبران خليل جبران برسائل الحب المتبادلة،
وكان كل منها يعبر عن ما في قلبه بالطريقة التي يراها مناسبة وصحيحة” الرسائل” والتي حينها كانت تعتبر اسمي معالم الحب وأرقاها،
ولكن برغم كل ذلك لم يستطيعا الاثنين الالتقاء ببعضهم البعض، فجبران خليل جبران كان يعيش آنذاك في نيويورك،
لكن مشاعرهما كانت حديث الأدب رغم المسافات، أرسلت مي زيادة رسالة لجبران تعبر فيها عن إعجابها المفرط بكتاباته،
فأجاب بدوره على رسالتها، ومن ثم أرسل إليها روايته “الأجنحة المتكسرة”،
ولكن مي زيادة قررت عبر تلك الرسائل أن تخبره أنها تتعارض مع أرائه في الأمور وفيما يخص الزواج بالتحديد،
وهو الأمر الذي جعل الرسائل تستمر بين الثنائي لمدة 19 عاما ولم يلتقيا خلال تلك السنوات الطويلة أبدًا.
العلاقة بين مي زيادة و جبران خليل جيران :
قررت مي زيادة أن ترسل صورتها إلى جبران خليل جبران، الذي رسمها بدوره بالفحم ثم أرسلها إليها،
وهو الأمر الذي جعل هذه العلاقة تتحول من مجرد إعجاب كل منهما بأعمال وكتابات الآخر إلى صداقة حميمة
ومن ثم عندما تجاوزت مي زيادة الثلاثين عامًا، قررت الاعتراف لجبران بمشاعرها إليه ورغبتها بالزواج منه،
وهو الأمر الذي لم يحدث ولكن دام هذا الحب 20 عامًا خلدته رسائل الثنائي حتى بعد رحيلهما، ما معنى هذا الذي أكتبه؟
لا أعرف ما أعنيه به، لكني أعلم أنك حبيبي وأخاف من الحب، أتوقع الحب كثيرًا وأخشى أنه لن يجلب لي كل ما أنتظره،
أقول هذا وأنا أعلم أن في القليل هناك الكثير من الحب، لكن القليل من الحب لا يرضيني، الجفاف والجفاف ولا شيء أفضل من القليل”.
إحدى رسائل مي زيادة لجبران.
خامساً:- وفاة مي زيادة
على الرغم من النجاحات التي حققتها مي وزيادة والحب الذي كان حديث الأدب والسعادة التي كانت تغمرها،
إلا أنها عاشت آخر 12 عامًا من رحلتها في الحياة في مأساة موجعة، فقد فقدت والدها ومن ثم حبيبها جبران خليل جبران،
حتى رحلت والدتها ليدمى قلبها من شدة الحزن والألم على رحيل من كانت تراهم عالمها،
أمضت الأديبة مي زيادة بعض الأوقات في مستشفى للأمراض النفسية من أجل تخطي ذلك الحزن الذي اجتاح قلبها أو ربما لتقبله قليلًا،
ثم بعد خروجها أقامت مي زيادة عند الأديب أمين الريحاني ثم عادت بعد ذلك إلى مصر، لترحل عن عالمنا في 17 أكتوبر عام 1941م
تاركة خلفها إرثًا أدبيًا عظيمًا، وقصة حب ما زالت خالدة حتى هذه اللحظة وحتي وقتنا هذا.
الخاتمة: –
الى هنا نكون وصلنا الى نهاية المقال، فاذا اعجبك يمكنك مشاركته على مواقع التواصل الاجتماعي مع اصدقائك.
المصادر: –