المقدمة: –
مدينة القدس هي زهرة المدائن.. مدينة الرسالات والأنبياء حملت على كاهلها تاريخًا طويلاً يضرب بجذوره عبر العصور والقرون الممتدة،
وفي هذه الأيام تبرز حاجتنا الماسة – نحن العرب والمسلمين- لقراءة صحيحة لتاريخ القدس، كي نتعامل مع ملف هذه القضية،
وذلك في وقت نشهد فيه قيام الحركة الصهيونية بهجمة قوية لتعميم قراءة خاطئة لتاريخ القدس على العالم أجمع،
وبلغت هذه الهجمة أنتشارها في الاحتفال الذي أقامته الحكومة الإسرائيلية بمناسبة “مضي ثلاثة آلاف سنة على دخول الملك داود القدس” والهدف الصهيوني هو استكمال تهويد المدينة بعد احتلالها واغتصابها،
وتعميم الزعم الإسرائيلي بأنها عاصمة مملوكة للأبد للإسرائيل التي لها السيادة على المدينة،
وحصر قضية القدس في كونها خلافًا بين مسلمين ومسيحيين حول أماكنهم المقدسة فيها، وكيف تتم إدارتها، وفى هذا المقال سنوضح نحن فريق شبكة مقالة كل ما يخص القدس.
اولاً: أسماء القدس المختلفة.
مرت مدينة القدس بعدة عصور اختلفت خلالها تسميتها، فقد وردت في سجلات الفراعنة تحت اسم “يبوس” وذلك نسبة إلى اليبوسيّين ،
وهي “أورو سالم” كما كان اسمها عند الكنعانيين وهي “أورشاليم” كما سماها العبرانيون، وهي “بروساليم” عند اليونانيين،
وهي “هيروسلما” أو “سموليموس” أو “إيليا” عند الرومان، وهي “القرية” أو “بيت المقدس” أو “القدس” كما سماها العرب المسلمون،
ومدينة القدس مدينة قديمة يعود تاريخها لأكثر من ثلاثين قرنًا قبل الميلاد، وتذكر المصادر التاريخية أنها كانت في ابتداء الزمان صحراء خالية من أودية وجبال.
أول من دخل القدس :
وكان أول من دخلها سام بن نوح عليه السلام، و يذكره البعض باسم “ملكي صادق” ومعناها بالعبرية “ملك الصدق” إلا أن “ملكي صادق”
متأخر في الزمن عن الجيل الأول الذي عاش في هذه البقعة المباركة، في أول الأمر، وكان ذلك قبل أن يفكر “ملكي صادق”
في تخطيط مدينته على أي شكل من الأشكال ، واشتهرت في سنة 1049 ق.م في عهد النبي داود -عليه السلام- باسم مدينة داود،
وفي سنة 559 ق.م أُطلِق عليها اسم أورسالم أثناء حكم البابليين لها، وعندما وصلها الإسكندر الأكبر اشتهرت باسم يروشاليم في سنة 332 ق.م،
وعندما وصلها الفتح الإسلامي اشتهرت باسمي القدس وبيت المقدس، وأُطلق عليها في زمن الحكم العثماني اسم القدس الشريف.
ثانياً:- القدس – عاصمة فلسطين
تعتبر مدينة القدس من المدن الحضارية والمقدسة المهمة، بنيت معالمها الأولى على منطقة تلال الظهور التي تُطل على سلوان
في الجهة الجنوبية الشرقيّة التابعة للمسجد الأقصى، أما امتدادها الجغرافي في الوقت الحالي فيبدأ من الجهة الجنوبية لجبال الخليل،
والجهة الشماليّة لجبال نابلس، وتصل إلى الجهة الشرقيّة التابعة للبحر المتوسط، ويصل ارتفاعها فوق مستوى سطح البحر إلى ما يقارب 775م،
مدينة القدس الشريف هي عاصمة فلسطين، حيث جاء في بيان إعلان الاستقلال (فإن المجلس الوطني يعلن،
باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف)
وكذلك جاء في مقدمة القانون الأساسي المعدل (إقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف
وهي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين مسرى نبينا محمد (ص)، ومهد سيدنا المسيح عليه السلام)
إضافة إلى ما نصت عليه المادة رقم (3) من القانون الأساسي (القدس عاصمة فلسطين).
محمود درويش / شاعر الأرض المحتلة
عمر مدينة القدس: –
تعود التقديرات التاريخية الخاصة بعُلماء التاريخ إلى أن عمر مدينة القدس يصل إلى حوالي 38.000 سنةٍ،
كما قدّرت مجموعة أُخرى من العلماء عمرها بحوالي 6.000 سنة، ولكن العمر الحقيقي لمدينة القدس يصل إلى حوالي 38 قرناً؛
لأنّ مُؤسّس المدينة المعروف باسم ملكي صادق كان موجوداً في عهد النبي إبراهيم عليه السّلام؛ حيث عاش النبيّ إبراهيم -عليه السّلام-
في الفترة التاريخية التي تقارب حوالي سنة 1850ق.م.
ثالثاً:-جغرافيّة مدينة القدس
تتميز مدينة القدس بأهمية وجمال موقعها الجغرافي الذي يشكل مركزاً يجمع مجموعةً من الطُّرق الخاصة بالتجارة،
وتقع القدس وسط الأراضي الفلسطينيّة، وتحديداً على أحد التلال الصخريّة، وأُسست المدينة على أربعة مرتفعات
وتوجد حولها مجموعة من الأودية، وتضم هذه المرتفعات جبل موريا الذي أُسس على أرضه حرم القدس الشريف، وجبل صهيون،
وجبل أكرا الذي أُسست على أرضه كنيسة القيامة، وجبل بزيتا، و توجد في محيط مدينة القدس عدة وديان وتلال،
مثل: وادي هنوم الواقع في جهتها الشرقيّة، ووادي قدرون الواقع في جهتها الغربية، وتقسّم أراضي القدس إلى جزأين رئيسين،
هما: القدس الشرقية: تُعرف أيضاً باسم المدينة القديمة وتحتوي على مجموعة من المعالم الأثرية الدينية،
ومن أهمها المسجد الأقصى، وكنيسة القيامة، القدس الغربية: تعرف أيضاً باسم المدينة الجديدة، وتشمل العديد من الأماكن الحديثة.
رابعاً:-تاريخ القدس
يذكر بعض المؤخرون أنهم كانوا يسمون “اليبوسيين” تسمية أطلقها عليهم الفراعنة، كما يظهر في آثارهم،
ولقد رحل هؤلاء اليبوسيون إلى أرض مدينة القدس، حوالي 3000 سنة قبل الميلاد، واستوطنوا بها،
وارتبطوا بترابها حتى أنهم كانوا بعد ذلك أصحابها الشرعيين، وصدوا عنها غارات المصريين،
كما صدوا عنها أيضا قبائل العبرانيين التائهة في صحراء سيناء، وكما نجحوا في صد الغزاة عنها أزمانًا طوالاً،
نجحوا أيضًا في بناء مدينتهم وعمارتها؛ إذ كانوا متحدين فلما تفرقت كلمتهم اشتد طمع العبرانيين فيهم،
مما اضطرهم إلى التحالف مع المصريين، وطلبوا عون “تحتمس الأول” عام 1550 ق.م فلبى رغبتهم وساعدهم في صد غارات القبائل العبرانية
وأدت بهم هذه الاستعانة إلى نوع من الخضوع لسلسلة من فراعنة مصر: تحتمس الثالث 1479ق.م، أمنحتب الثالث 1413ق.م، إخناتون 1375ق.م،
وتوت عنخ آمون 1351 ق.م، سيتي الأول 1314 ق.م، ورمسيس الثاني 1292ق.م، وجدير بالذكر أن هذه الاستعانة
أو هذا الخضوع لم يفقدهم كيانهم كشعب واحد متماسك يمارس حياة قومية خاصة، ويحتفظ بحقه في حكم نفسه،
إذ كان المصريون يكتفون بتحصيل الضرائب من أهلها.
مكانة القدس عند المسلمين :-
نظرًا لمكانة وأهمية القدس لدى المسلمين فإنهم لم يقصروا منذ أن اندفعوا خارج الجزيرة العربية بعد وفاة الرسول الكريم سنة (10هـ) أي (632م) في محاولة فتح فلسطين، وربط المسجد الأقصى بالمسجد الحرام عمليًّا بعد أن ربط الإسلام بينهما في عقيدة المسلم ووعيه الديني، وتم ذلك فعليًّا في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم جاءت الدولة الأموية بعد الخلفاء الراشدين وفي عهدها بنى عبد الملك بن مروان مسجد قبة الصخرة، وبنى ابنه الوليد المسجد الأقصى الذي اتخذ اسمه من القرآن الكريم، وفي عام 754م أعاد الخليفة العباسي “المنصور” بناء المسجد الأقصى بعد أن تأثر البناء السابق بالزلزال، وفي خلال العهد الطولوني بمصر، وكذلك العهد الإخشيدي والفاطمي أصبحت القدس وفلسطين تابعة لمصر، ومن ثم الصليبيون مدينة القدس سنة 1099 وقتلوا المسلمين واليهود والمسيحيين الأرثوذكس، وعاجلوا الجميع بكل القوة والتجبر.
دخول صلاح الدين الايوبي القدس: –
سنة 1187م استرد صلاح الدين الأيوبي مدينة القدس بعد انتصاره في موقعة حطين، وعامل المنهزمين بما عليه أخلاق الإسلام من سماحة ورأفة وذلك دليل علي ان الإسلام معاملة، و ثم اتجه صلاح الدين لتقديم أعظم هدية للمسجد، وكانت تلك الهدية هي المنبر الذي كان “نور الدين زنكي” قد بدأ في إعداده وكان هذا المنبر آية في الفن والروعة، ويعده الباحثون تحفة أثرية رائعة وأعظم مبنى في العالم الإسلامي، وبعد طرد الصليبيين من فلسطين عادت القدس تتبع مصر في عهد الأيوبيين والمماليك، ثم أصبحت فلسطين تابعة للأتراك العثمانيين منذ عام 1516م وظلت في أيديهم أربعة قرون تقريبًا.
خامساً:- تاريخ القدس الحديث
تعاقب على حكم القدس كل من المماليك والعثمانيين؛ حتى وصل اليها الاستعمار البريطاني الذي استمر مسيطراً عليها خلال الفترة الزمنيّة بين 1917م-1948م، وظهر أثناء هذا الفترة وعد بلفور الذي أدى إلى ازدياد هجرة اليهود إلى القدس وجميع الأراضي الفلسطينيّة، وانتهى الوجود البريطاني في مدينة القدس وفي المقابل احتلتها العصابات الصهيونية، وفي عام 1967م أكملت القوات الصهيونية احتلالها حتى الأن .
قلعة حلب في اي عصر شيدت ومن بناها
جرائم اليهود في القدس :-
من الصعب تحديد جميع جرائم اليهود تجاه القدس منذ احتلالها حتى الآن، ولكن يمكن ذكر بعض الأحداث الهامة التي وقعت:
- في عام 1967، احتلت إسرائيل القدس الشرقية خلال حرب الأيام الستة وقامت بتهجير العديد من الفلسطينيين من منازلهم وقراهم في المدينة، وهدمت بعض المباني الإسلامية والمسيحية الهامة.
- في عام 1980، أعلنت إسرائيل القدس عاصمة دائمة لإسرائيل، وهذا الإجراء لم يتم الاعتراف به دوليًا.
- في عام 1994، أغلقت إسرائيل باب الرحمة الواقع داخل المسجد الأقصى ومنعت المصلين من الدخول إليه لمدة 3 أيام، مما أدى إلى احتجاجات وأعمال عنف في المدينة.
- في عام 2000، اندلعت انتفاضة فلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة. وقامت إسرائيل بقمع هذه الانتفاضة بأساليب عنيفة وقتل العديد من المتظاهرين الفلسطينيين.
- في عام 2017، أقدم مستوطنون يهود على اقتحام باحات المسجد الأقصى في القدس الشرقية، مما أدى إلى احتجاجات وأعمال عنف في المدينة.
- في عام 2018، قررت إسرائيل هدم منازل فلسطينية في حي الولجة في القدس الشرقية، مما أدى إلى احتجاجات واشتباكات عنيفة بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية.
- في عام 2021، اندلعت احتجاجات وأعمال عنف في القدس الشرقية بسبب محاولة السلطات الإسرائيلية إخلاء منازل فلسطينية في حي الشيخ جراح؛ وقامت الشرطة الإسرائيلية بتفريق المتظاهرين بالقوة واعتقال العديد منهم.
الخاتمة: –
الى هنا نكون وصلنا الى نهاية المقال، فاذا اعجبك يمكنك مشاركته على مواقع التواصل الاجتماعي مع اصدقائك.
المصادر: –
